خـاتمـة إلى هنا تكون صفحة عملية البنيان المرصوص لتحرير ســرت من تنظيم الدولة الإسلامية قد طويت بعد أن دُوّنت وقائعها في سجلات التاريخ الليبي المعاصر. لقد كانت اختبارا صعبا للإرادة الليبية التي تحركت من أجل الحرية والحياة الكريمة. وكان الســؤال الذي طرح على المقاتل الليبي الممتشــق سلاحه في وجه الظاهرة الإرهابية في نفس الوقت؟ " أعداءه الظاهريين " سؤالا صعبا، وهو: هل تقاتل هذا التنظيم، وتقاتل كانت الفكرة التقليدية لتصنيف الأعداء تقول إن عدو العدو صديق، أو على الأقل . لكن الفطرة الإنسانية التي حدت المقاتلين الثوار للنهوض في وجه " مشروع صديق " الطغيان والاســتبداد، ومقاومة النزعة إلى التســلط على الناس بالقوة، هي نفسها التي أقنعتهم بأن من يحاولون فرض أنفسهم على الناس بالقوة وحكنهم بالعنف، لهم نفس الملة، وإن لبست هنا ثوب الإرهاب، وهناك ثوب محاربة الإرهاب. لقــد كانت عملية البنيان المرصــوص بهذا المعنى، واحدة من نهايات المطامح والمطامع في حكم الليبيين بالقوة، وسلبهم إرادة الاختيار، وحرية الاختيار. لقد كانت إنهــاء لأحلام قــادة تنظيم الدولة باتخاذ جزء من الأرض الليبية قاعدة لمشــروعهم، وكانــت رســالة بنفس المعنى إلى من رفعوا شــعار محاربــة الإرهاب أن ما قوبل به مشروع تنظيم الدولة المتوحش هو ما سيقابل أي طامع في تكرار تجربة تنظيم الدولة، حتى ولو كان تحت شــعار مناقض لشــعار تنظيم الدولة. وبالفعل قرنت هذه القوات القول بالفعل حين كســرت شــوكة حفتر وألحقت به هزيمة مرّة عندما حاول السيطرة على العاصمة طرابلس. أعطت عملية البنيان درســا آخر قاســيا، ولكنه مهم لصناع الحياة السياســية في ليبيا، وهو أن الســ ح كان ضرورة لإنهاء الطغيان والاســتبداد، وكان ضرورة لحماية مكاســب الثورة، ونواة الدولة المدنية من عودة الاســتبداد، وكان حصنا ضد انحراف هذه النواة نحو دولة مستبدة، وترسا يقيها غوائل نزعات التطرف والتشدد، ولكنه في نفس الوقت يمثل بعض المخاطر عليها؛ فهذا السلاح إذا لم يُستوعب في إطار عملية سياسية وطنية، تعترف بإنجازه وتتوقى مخاطره، فإنه قد يتحول إلى سلاح ضد أهدافه. وقد تتسرب إليه دعوات الانقلابات والإرهاب، فمن كانوا وقودا لهاتين الدعوتين، كثير
135
Made with FlippingBook Online newsletter