..صعود وسقوط تنظيم الدولة في سرت

حركة الأفراد والآليات. فإذا ما أضفنا إلى ذلك أن نســبة القوات النظامية في مقاتلي البنيان المرصوص ضئيلة جدا، بحيث لا يمكن أن يكون لها كامل الســيطرة الميدانية على تحرك الأفراد نجد أن هذه الخسائر كانت مبررة إلى حد بعيد. كما أن الكثرة العددية لقوات البنيان المرصوص، المتمثلة في القوات المساندة من الثوار والمدنيين الذين هبوا للدفاع عن مدنهم وبالذات من مدينة مصراتة، لم تكن نقطة قوة بشــكل دائم؛ فهي قد تمثل أحيانا نقطة قوة نوعية، ولكنها في أحيانا أخرى تمثل عبئا تنظيميا، وتجعل القوات تعاني هشاشة مميتة. إذا كانت هذه الكثرة العددية قد منحت تفوقا نوعيا مكن من تغطية كافة المحاور في وقت الحاجة إلى ذلك، ومثل قوة نوعية أخرى أعانت على الدخول إلى شــوارع وأزقة المدينة الفرعية، ومكن من تغطيتهــا بالكامل، وحرم التنظيم من محاولات الالتفاف؛ فإنه في المرحلة الثانية، أي ما بعد الهجوم الواسع، وما قبل الدخول إلى الأزقة والشوارع الفرعية، أضفى شيئا من الفوضوية والهشاشــة على قوات البنيان المرصوص، ومكّن قوات التنظيم من وسائل النكاية الشديدة التي هي قصارى ما كانت تطمح إليه. ولكن مع دخول هذه المرحلة كانت القوات قد اكتســبت الدربة الكافية على مواجهة تكتيكات التنظيم وتعلمت من دروس عدم الانضباط القاســية ما قلل من فرص اســتفادة التنظيم من ذلك في زيادة الخسائر بما يتناسب مع حجم نقاط الضعف لدى قوات البنيان المرصوص. في المرحلة الثانية من المعارك (أي في الشهرين الثالث والرابع من القتال) ارتفع ، فيما يزيد عدد الجرحى 590 عدد الشهداء بقرابة مائتين وخمسين شهيدا، ليصل إلى ، وهي أرقام منخفضة مقارنة بالشــهرين الأولين اللذين مرت إحصائياتهما 760 بنحو أعــ ه. إن هذه الأرقام تخبرنا بشــيء غاية في الأهميــة؛ ففي الوقت الذي كانت فيه القوات المهاجمة تقترب من تحقيق هدفها بالســيطرة على المدينة، وكان يفترض في قوات العدو أن تزيد من ضراوة عملياتها، وأن تســتميت أكثر في الدفاع عن معاقلها، وأن تخرج أهم تكتيكاتها العســكرية، لا نجد الخسائر تتصاعد في القوات المهاجمة، مما يشير إلى أنه كلما تفننت القوات المدافعة في التكتيكات؛ اكتسبت القوات المهاجمة خبرات جديدة وطورت من أساليبها لتقلل الخسائر. إن تكتيكات مقاتلي تنظيم الدولة ظلت في ازدياد؛ إذ إن التنظيم تبنى لأول مرة منذ بداية المعارك، إسقاط طائرة عسكرية ليبية كانت تشارك في العمليات ضده. وبغض النظر عن السبب الدقيق لسقوط الطائرة، فإن المؤكد أنه تم استهدافها من قبل قوات

163

Made with FlippingBook Online newsletter