إليها التدخل الأجنبي، وارتباك الخطاب الديني، وتسييس جزء كبير منه وتوزع رموزه بيــن ولاءات سياســية تظهر اللافتة الدينية ســلّما يرتقي بــه متمصلحون يبحثون عن الســلطة والمال والنفوذ، مما قلص الظلال التي كان الشباب يستظلون بها من دواعي الانخراط في الدعوات العنيفة، والارتكاس في وحل المشاكل الأخلاقية. ترك حاملو الخطاب الديني الشباب في حيرة من أمره؛ فلم يعد قادرا على تمييز الحق من الباطل، لأن الكل يســتخدم نفس الآيات للتدليل على وجهة نظره السياســية، ولدعم موقفه السياســي. صحيح أنهم ليســوا سواء في ميزان الشــرع والعقل؛ فنصيب الاجتهاد من الخطأ والصواب هو الميزان الذي ينبغي أن توضع عليه الأقوال والمواقف. ولكن من أين لشــباب تربى في نظام تعليمي أفســده القذافي وعقود استبداده الأربعة أن يمتلك ميزانا للفصل بين مشــتبكات السياســية الذرائعية (البراغماتية) واســتغلال النصوص الدينية لدعم الموقف السياسي؟ إن هذا واحد من الأسباب العميقة للظاهرة الإرهابية ذات الخطاب الديني، وهو ســبب مكمل لما تقْدم عليه مافيات الانقلابات من تزوير للحقائق، ووَلْغ في الدماء بغية المنصب والمصلحة. لقــد اعتاد كثيــر من ذوي المقاصد الملتوية والأغــراض الكيدية، وبعض ذوي الرؤية الناقصة للأشــياء والأحداث، أن يربط ظاهــرة العنف المتبني للخطاب الديني بالدين نفســه، أو بالمدافعين عن ســيادة الدين في الحياة العامة والخاصة للمسلمين، حتى وصلت بعض الخطابات إلى حد المســاواة بين الإســ م والإرهاب، واستسهل الربط بين الحركات الإسلامية المنشغلة بالهم السياسي والشأن " الدارســين " كثير من العــام عمومــا، وبين ظاهرة الإرهاب ذات الخطاب الديني. والحق أن هذا خلط أبان هذا الكتاب زيفه في الحالة الليبية على الأقل. إن هذا البيان والتوضيح قد لا يرد نصا صريحا، وفرضية منطقية تطرح للنقاش والدحض، ولكنه مثل سابقه مبثوث في حنايا النص متسرب بين سطوره وكلماته. إن هذا الكتاب يحمل موقفا، وزاوية نظر من الأحداث والوقائع والمواقف، لكنه لا يفتري أو يضع ســيناريوهات خيالية تســوق إليها الأحداث وتبحث لها عن الأدلة، بــل هو دراســة تتوخّى الدقة في التعبيــر، وتتجنب الجزم بحدوث الوقائع ما لم تكن أدلتها المادية محسوسة، أو يكون أصحابها أحياء متحلّين بالمسؤولية مستعدين للدفاع عن رواياتهم علنا.
19
Made with FlippingBook Online newsletter