AJ 25th Book

طفلة مخيم بانتيو

أيقنت، بعد أن قامت الجزيرة ببث كل تلك التغطيات، وما أحدثته من ردود أفعال قادت كثيرا من المنظمات للبحث عن موقع هؤلاء الناس، أن صوت الصحفي لا يمكن نكرانه، فحيثما كان الحدث تكون الجزيرة، تنقل الواقع كما هو؛ إنها صوت الإنسان المهمش. أفخر بالانتماء إلى هذه المؤسسة العريقة، التي تزداد شموخا وألقا بمرور الأيام والسنين، وتزداد قربا من تفاصيل حياة الناس لنقل آلامهم وأوجاعهم، تماما مثلما تنقل أحياناً أفراحهم وابتساماتهم. صدق الكلمة ودقة النقل جعل الجزيرة القناة الأكثر شعبية وتأثيراً، حتى إنني أشعر في بعض الأحيان بثقل مسؤولية تمثيل الجزيرة في الميدان وسط زخم وزحمة الأحداث التي لا تهدأ أبداً، خاصة في مناطق النزاع والحروب مثل جنوب السودان.

سألت عنها، وقال لي أحدهم إنها وحيدة وربما قتل والداها في الحرب، أو ماتا أثناء الفرار من المعارك، أو ربما قضيا جوعا. قال لي رجل كهل إنه يوجد مئات الأطفال هنا دون أهل، يتدبرون أمرهم لوحدهم مثل هذه الطفلة. كانت هذه أكبر غيمة حزن خيمت على حياتي أثناء التغطيات الميدانية. تمنيت لحظتها لو أن من يوقدون شرارة الحروب شاهدوا بأعينهم ما تفعله سياساتهم الخاطئة، والكلفة الباهظة التي تدفعها الشعوب ثمنا لشهواتهم في حب السلطة. مهمة البحث عن الحقيقة والسعي إلى نقل ما يحدث، إلى عشرات الأماكن. طفنا في قرى هجرها أهلها بحثا عما يسد الرمق ويروي الظمأ. صادفنا قوافل من النازحين في طريقهم ليصبحوا لاجئين في دول أخرى بعد أن تعذر عليهم البقاء في الوطن بعد احتدام المعارك لم يكن الجوع وحده رفيق هذه الفئة من النازحين، بل صاحبه انعدام الخدمات الصحية والتعليمية وغيرها من الاحتياجات الضرورية للإنسان ليعيش حياة كريمة. كانت تردنا المناشدات بشكل مباشر لتغطية الأوضاع الإنسانية في مكان ما عندما تحل الكوارث الطبيعية من سيول وفيضانات، وكانت الجزيرة دائماً سباقة في غالب الأوقات لنقل أصوات من تقطعت بهم السبل.

.

203

202

Made with FlippingBook Online newsletter