AJ 25th Book

جنّات تباع بثمن بخس

ورغم تلك المخاطر، يواصل فريق عملنا طريقه، ويقطع مسافات طويلة، ويخيّم في القرى والبلدات، ليجتاز الطرق ويعبر الأنهار بين جنبات إحدى أكثر المناطق إيواءً للمسلحين في قارة آسيا بأسرها. وكنا نقوم بتدوين أعمالنا بطريقة مشفرة تحسباً لاعتقال أي من صحفيينا من قبل المسلحين أو رجال تلك الشركات. وحظيت حلقة البرنامج التي حملت عنون «جنات تباع في بابوا الغربية»، والحلقة التفاعلية التابعة لها بعنوان «غابة بخمسة دولارات» بتقدير كبير، وحصدت جائزة مؤسسة وينكوت لأفضل فيلم للعام، إضافةً إلى جائزة تلفزيون فينسيا، وجائزة نادي أمريكا للصحافة الخارجية، إضافةً إلى انتزاع الميدالية الفضية لمهرجان (تيلي) للأعمال التلفزيونية، وحظيت بتقدير خاص ضمن مهرجان جوائز الاتحاد الدولي للبث، ورشحت لجائزة آمنستي إنترناشيونال للإعلام. وبهذا نجحت الجزيرة في لفت أنظار العالم إلى واحدة من أهم القضايا البيئية الحرجة، ورفع الوعي العام حول حقوق السكان الأصليين في بابوا الغربية، تلك البقعة المنسية من العالم.

ولكننا لم نأت إلى هنا للاستمتاع بمناظر الطبيعة والحياة البرية الخلابة، بل جئنا لنرصد «جنة عدن» مهددة بالاختفاء هنا. فها هي الأشجار البِكر في هذه الغابات المطيرة التي لم يصلها إنسان، تجتث من فوق الأرض لبيع أخشابها، ولإنتاج زيوت النخيل بثمن بخس. إيست، والمختص 101 : البرنامج الاستقصائي الرائد لقناة الجزيرة بتغطية قضايا منطقة المحيط الهادي وآسيا، كشف للعالم الصفقات المشبوهة لبيع أشجار الغابات المطيرة إلى شركات في كوريا الجنوبية دولارات أمريكية 5 مقابل مبالغ زهيدة، حيث يبلغ سعر الهكتار فقط. وبالتعاون مع محطات إخبارية استقصائية مهتمة بالبيئة مثل (غيكو بروجكت) و(مونغاباي)، نجحنا في الكشف عن المستندات الأصلية والصور التي تثبت ضلوع شركتي (كورندو) و(بوسكو انترناشيونال) في إبرام صفقات مشبوهة مع القبائل المحلية لاستغلال أخشاب الغابات، في حين حققت كل شركة منهما ما يزيد عن مليار دولار من الأرباح. ساعة إلى قلب بابوا الغربية، 12 وبعد رحلة مضنية بالقارب، دامت نجح فريق العمل في تصوير عمليات التدمير الوحشية التي جرت بعد بيع أراضي المنطقة. فالآلاف من هكتارات الغابات البِكر إما اجتثت أو أُحرقت بالكامل، وحلت محلها مزارع إنتاج زيت النخيل. واكتشفنا بعدها أن العبث بثروات بابوا الغربية لا يعد كارثةً بيئية فحسب، بل يشكل عملاً إجرامياً ينطوي على أساليب استغلال تجارية غير مشروعة.

وأجرينا مقابلات عديدة مع زعماء القبائل الذين أكدوا أن غابات أجدادهم المطيرة قد دُمرت دون موافقتهم. «هذه أرضي وأرض أجدادي، كانت واحةً غناء تعج بأشكال الطير والحيوان. باتت الآن أرضاً قاحلة.» هذه عبارات لينوس أومبا، زعيم قبيلة ماندوبو. تُعد محاولات الكشف عن جرائم الشركات ومخالفاتها البيئية المتمثلة في تدمير غابات إندونيسيا عملاً محفوفاً بالمخاطر التي لا تحصى. فقد تعرض العديد من الصحفيين والنشطاء المحليين، للاعتداء والسجن وللقتل على أيدي المنتفعين والمتربحين من هذه الصفقات المشبوهة.

223

222

Made with FlippingBook Online newsletter