AJ 25th Book

تستمر الحياة فيجحيم موريا

المشهد الثانيفيمخيم إندوميني للاجئين. مشهدٌ مروع. خيامٌ منصوبة على امتداد البصر، اللاجئون يقفونصفاً طويلاً للحصول علىوجبة طعام. ولطول هذا الصف، لا يمكن لعدسة أي كاميرا أن تستوعبه في لقطة واحدة. ولكن المشهد الرئيسيهو زهرة الزنبق البري التي وضعها لاجئفي يدي حين مررنا به. لا يمكن أن أنسىرائحتها ما حييت، رائحة زكية طغت علىهذا المشهد المروع المحيط بنا. أما الثالث ففي مخيم موريا. حفر لاجئ حفرة في الأرض ليصنع منها تنوراً بدائياً. بدأ في وخز الحطب بعصا حديدية، ابتسم مرحباً بنا حين هممنا بتصويره خلال التغطية. وضع في يدي قطعة خبز ساخنة التقطها من التنور. أتذكر وأنا أقف في وحل المخيم ممسكةً بالميكروفون في إحدى يديّ وقطعة الخبز الساخنة في اليد الأخرى، وقد عجز لساني عن الكلام. تباينت الصور والأصوات في تلك المشاهد، ولكن الحركات والأفعال باتت متناغمة، ففي وسط الجحيم، هناك حياة تنبض بالأمل.

الأماكن. وما زالت ذاكرتي محتفظة بثلاثة مشاهد بالتحديد، ببساطة لأن كلاً منها ارتبط بأحاسيس عميقة حُفرت في وجداني: الأول في معبر بيركاسوفو-بابسكا، أذكر كيف تكدست مئات الحافلات التي تحمل اللاجئين، تحيط بهم حقول الذرة التي تحولت إلى مكب للنفايات، وعلى جبال القمامة هذه جلس رجل القرفصاء وهو يحلق لحيته بالشفرة. أراد أن يهيئ نفسه لدخول الأراضي الأوروبية في مشهد سريالي غير واقعي.

هؤلاء الأطفال غير موجودين رغم حضورهم. ومع ذلك، ترى البسمة على وجوهم، يركضون ويلعبون ويلقون علينا التحية حين نمر بهم. هؤلاء الأطفال قطعوا مسافات طويلة سيراً على الأقدام مع ذويهم قبل أن يلقوا بهم في قارب مطاطي متجه إلى ليسبوس، في رحلة مجهولة قد لا يصلون إلى وجهتها النهائية أحياء. يأتي أولئك الأطفال من خلفيات لا نعلم عنها شيئاً، ولكن ما نعرفه أنهم الآن في مخيم موريا، منذ شهور وربما سنوات. المهم أنهم لا يزالون على قيد الحياة. رغم أنني مررت بتجربة مماثلة حين عشت في وحل طرق البلقان خلال تغطية أزمة اللاجئين، لكن ليست لدي أي صور من تلك

ذهني كيف أنني استيقظت هذا الصباح في فراش وثير، اغتسلت بماء دافئ، تناولت قهوتي، ارتديت ما يحلو لي من لباس، ركبت سيارتي وأتيت إلى هنا، حيث لا يرى المرء سوى مشاهد البؤس والألم. موريا لا يمكن أن تسمى مدينة على الإطلاق، فلا شوارع ولا أرصفة، والبيوت مصنوعة من أي شيء متوفر حتى البلاستيك أو الورق المقوى. أطفال مخيم موريا ليسوا كغيرهم من الأطفال، فهم لا يتوجهون للمدرسة كل صباح، لأن النظام التعليمي هنا لا يعترف بوجودهم.

289

288

Made with FlippingBook Online newsletter