AJ 25th Book

تيسير البريد

كبرنا وتعلمنا، وكتب الله لنا أن نكون في الجزيرة التي نتعلم فيها ومنها كل يوم درساً. ذات مرة زرت، وعائلتي مقر محطة الفضاء الأمريكية ناسا في ولاية فلوريدا. وعلاوة على أنني معجب بعالم الفضاء واستكشافاته اللامحدودة وآفاقه المبشرة، إلا أن فكرة خطرت ببالي عندما رأيت بثا تلفزيونيا خاصا بناسا يجرون خلاله مقابلة مباشرة مع أحد الرواد وهو في الفضاء. قلت لنفسي لماذا لا نكون القناة العربية الأولى التي يمكن أن تفعل ذلك، وأن نهتم بأخبار الفضاء بشراكة ما مع ناسا، فلربما يكون الجمهور قد سئم من أخبار الأرض. حصلت على بعض الأرقام الهاتفية لمسؤولين في قناة ناسا التلفزيونية، وبدأت بالتواصل معهم، لم تكن هناك ممانعة بقدر ما كانت هناك توجسات فنية. أبشركم بأن التواصل تم استئنافه والعمل جارٍ لاستكشاف مساحات جديدة من العمل في المريخ وعلى سطح القمر وكواكب أخرى. وقد يظهر مراسلونا لاحقا وهم في زي رواد الفضاء، زي يشبه إلى حد كبير ما ارتدته زميلتنا شيماء مراسلة الجزيرة في الصين عندما كانت تغطي من مدينة ووهان البؤرة الأولى لجائحة كورونا، ألا تذكرون؟ شيماء مراسلة شجاعة، لم تتوان عن الذهاب إلى ووهان رغم المخاطر والإجراءات القاسية، بل الأقسى من قرار إيفادها إلى تلك المنطقة الموبوءة، نقاش مطول داخل غرفة الأخبار بيني وبين مدير التخطيط الإخباري الذي كان متحمسا لأن نكون هناك. جلسنا نوازن بين الحفاظ على سلامة مراسلتنا وطاقمنا الفني وبين الخدمة التي يمكن تقديمها للمشاهد لنكون عينه في مكان يتمنى كثيرون أن يحققوا بالوصول إليه سبقا صحفياً.

تيسير البريد مدير الأخبار في قناة الجزيرة الإخبارية | عاصف حميدي

أراه مجدا مثابرا أمينا حنونا، وأستغرب من سر فرحته عندما يسلمنا الرسائل. كنت أعتقد أنه يذهب إلى أصقاع الأرض ويجلب لنا الخيرات بأمانة مطلقة نشعر بقيمتها التي لا تضاهى لأن من في الغربة لمسوا وخطوا وغلفوا هذه الرسالة وجاء بها مزينة بالطوابع فتفرح بها طفولتنا. نظرتنا إليه بأنه لا يخطئ عنوانا ولا ينام ليلا أو نهارا وهو أملنا في عالم كان فيه تيسير البريد هو الواتساب والانستغرام والفيسبوك وتويتر وكل هذه الجوقة.

كنت أنتظره عند عتبة بيتنا المجاور للمسجد في قريتنا. كنت إن رأيته من بعيد أستبشر به وبما يحمل من رسائل، بل ما يحمله من حنين ومن تقصير للمسافات. إنه تيسير ساعي البريد على دراجته الهوائية، وكنا نسميه اختصارا تيسير البريد. لم أكن أتحمل ابتعاده عن حارتنا، فلعله نسي رسالة جاءتنا من شقيقي أو شقيقتي في الكويت آنذاك. كنت أسأله في كل مرة ألقاه فيها إن كان يحمل لنا رسائل، حتى وإن أعطاني رسالة قبلها بساعة. يبتسم لي رغم تصببه عرقا من شدة التعب ويمسح على رأسي ويقول: سامحني سأحضر لك رسالة أخرى في أقرب وقت. إعجابي بتيسير البريد كان لا يوصف.

57

56

Made with FlippingBook Online newsletter