الطرق الصوفية في غرب إفريقيا السياقات الاجتماعية والأدوار …

للإسلام " السياسي " المجال إسلاميّا، وبالنسبة للأمة، ظلت السياسة-المدينة في صلب الرسالة المحمدية، هذه الرسالة التي من شأنها العمل من أجل الإنسانية جمعاء. إن محمدًا صلّى الله عليه وسلّم، وهو قائد هذه الأمة، وبمساعدة من أصحابه، قام ببناء مؤسسات سلطة سياســية (دولة، وجيش، وهيئات قانونية واجتماعية وغيرها...) من أجل تجســيد السياسة-المدينة المقدسة التي يفترض أن تجعل في يوم من الأيام من جميع الرجال المؤمنين الصادقين ومن جميع المســلمين رجاً مثاليين أخلاقيّا ويتمتعون بحرية بمزايا الكون كله في ســ م وإخاء ورخاء، وهو ما تصبو الطرق الصوفية لتحقيقه. على أنه ينبغي أن يظل الهدف الديني الغائي لسياســة-المدينة (وينبغي أن نفهم أن المدينــة هنا هي العالم بأســره) هو تحقيق مهمة خلافــة الله على الأرض؛ حيث إِنّا عَرَضْنَا ا َْمَانَةَ عَلَى السّمَاوَات " أسند الله جل جلاله تلك الخلافة إلى الإنسان وَا َْرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْــفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا ا ِْنسَانُ إِنّهُ كَانَ ظَلُومًا الإمكانات " تسيير " ). إن مهمة الخلافة تقتضي تعزيز أو 72 (الأحزاب، الآية "ً جَهُو أَلَمْ تَرَوْا أَنّ اللّهَ سَــخّرَ لَكُم مّا فِي " الهائلة للكون الذي أخضعه الخالق للإنســان: السّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النّاسِ مَن يُجَادِل ). وكل ذلك 20 (ســورة لقمان، الآية "ٍ فِي اللّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مّنِير عن طريق اختيار الله للإنســان وتكريمه لــه من بين جميع المخلوقات، وقد أنعم عليــه بنــور المعرفة، وبقلب يفهم الحقائق الباطنة، وجعله حرّا ليدير العالم بحرية. إن هذه الخلافة، التي من السهل أن نفهم أنها سياسية في جوهرها، إنما هي لمنع الفوضى عند السيطرة على الأرض، ومنع الفساد المطلق، حتى تتم عبادة الله التي (ســورة الذاريات، الآية "ِ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنّ وَالإِنسَ إِلاّ لِيَعْبُدُون " هي غاية الخلق: . ( (( )، فعبادة الله هي وحدها سبيل الفوز في الدارين 56 في الأساس، وعلى هذا المستوى، تتباعد السياسة-المدينة في الإسلام وتختلف عن وجهة نظر ( (( السياسة السائدة في العالم الحديث (الذي يقوم بشكل أساسي على التفكير المادي)، فالأخيرة تستثني بالنسبة لأكبر عدد مستهدف نظريّا من خلال تنظيم " السعادة " أي دافع إلهي وروحي من نهجه. ذلك أن المدينة، ومن خلال السياسة التي تعتبر جزءًا من العالم الدنيوي، ذلك أن أية إمكانية أخرى للحياة بعد الموتلا يمكن أخذها في الاعتبار بشكلجدي من قبل النظام المادي، لأنه نفي لها بشكل موضوعي.

183

Made with FlippingBook Online newsletter