أما في ما يتعلق بالشــق الثاني من السؤال: وهو موقف الصوفية من السياسة كســلوك وممارســة، فإنه يمكننا أن نلاحظ المفارقة العجيبة بين الموقف النظري والموقف العملي لدى الطرق الصوفية من السياســة، فالأدبيات السياســية للطرق الصوفيــة نادرة، والشــائع هو القول إن الفكر الصوفي فــي جوهره يقوم على قيم تباين المشاركة السياسية، بحكم الطبيعة التربوية الأصلية للتصوف وخياراته الفردية وتوجهات بعض طرائقه نحو الانعزالية التي تُفضي إلى عدم الاهتمام بالشأن العام وأمور الحكم، ولكنّ تحول التصوف إلى حالة شعبية وظهور الطرق حوّل التصوف من ممارسة نخبوية لمجموعة من الزهاد والنساك إلى حالة شعبية عبرت عن نفسها في علاقة ظاهرها التربية والصحبة في الله (الإخوان) وحقيقتها تشكيلات اجتماعية دينية متضامنة تتعبد الله بشعائر موحدة، والحقيقة أن العلاقة بين المريدين والشيخ هي علاقة تنظيمية تمثل في جوهرها بعدا سياسيا.. والطرقية بقيامها على الاستقطاب والطاعة المطلقة للشيخ تؤكد هذا البعد السياسي القوي القائم على تنظيم من نوع خاص يقوم على التسليم الغيبي بأوامر الشيخ وآرائه. والفاحص في نشوء الطرق الصوفية في غرب إفريقيا وفي ممارساتها الأولى يجــد أن هنــاك أدوارا تاريخية لعبها التصوف في المجتمعات الإســ مية في هذه المناطق، سواء تعلق الأمر بالجهاد لطرد المحتل أو لنشر الإسلام و حماية الأقليات المسلمة في المناطق التي شهدت جور الإمارات الوثنية، كما هو الحال في الجزائر إذ أسس الشيخ عثمان ومناطق السودان (مالي والنيجر حاليا) وبلاد فولتا وما حولها؛ وهي دولة ضمت مساحات " دان فودي إمارة إسلامية في سوكوتو بشمال نيجيريا، وفي . ( (( " شاســعة من النيجر حاليا ومن نيجيريا، واســتمر حكمها ما يقرب من قرن م أسس شيخو أحمدُ دولة ماسينا الإسلامية في شرق السودان (وماسينا 1818 سنة منطقة في مالي حاليا) وحكمها نجله من بعده أحمدُ الثاني لتنتهي مع حفيده أحمد الثالث، وهذه الدول قامت كآثار للجهود التعليمية والإصلاحية والروحية التي قام ، 7 ، مجلة المغرب الإفريقي، العدد الوحدة والتضامن في الطرق الصوفية جاخاتي، قاسم، ( (( م. 2006 منشورات معهد الدراسات الإفريقية، الرباط،
230
Made with FlippingBook Online newsletter