رابعا: إجمال ومناقشة ما بين توصيف موقف التصوف الفكري وتقدير موقفه السياسي تشيع أدبيات مــا بين المتهم لــه بالانحراف الفكري والارتزاق السياســي، وما بين الباحث عن حليف فكري وسياسي في مواجهة التيارات الإسلامية يقدم التصوف باعتباره الممثل . " تسامحي إنساني " الصحيح لإسلام وتذهب إحدى المقولات التأسيسية المتعلقة بدور التصوف الفكري والسياسي إلــى أن التصوف الذي يمثل إســ ما منفتحا معتدلا هو وحده القادر على الوقوف أمــام حركات التطرف والإرهاب، في حيــن تتهمه مقولات أخرى بهلامية المبادئ وتشــبعه بقيم التسامح المطلق المتجاوز لحدود العقيدة والثوابت الإسلامية، والذي يؤكده الاستقراء أن الدور الممانع للتصوف إبان الاستعمار لم يعد له وجود منذ قيام الدولة الحديثة، وبات الدور السياسي للتصوف منحصرا في الدعم اللامحدود للسلط الحاكمة، والظاهر أن ذلك جزء من واقع تركيبي أحد أطرافه الواقع السياسي نفسه وطرفه الثاني مستوى الوعي السياسي للمشايخ؛ حيث إن مرحلة التطور الديمقراطي في البلدان الإفريقية وتحكم الســلط السياسية في شتى جوانب الحياة وحرص هذه الطــرق على مصالحها كلوبي اجتماعي واقتصادي، مع مســتوى الوعي السياســي المتدني لمشايخ هذه الطرق، أفضى إلى خليط من الانتهازية السياسية الآنية وضعف القدرة على المناورة والتفاوض والكســب السياسي، والنتيجة هي الاندماج مع هذه السلط وقبول التوظيف السياسي مقابل السلامة أو نيل المكانة الرمزية. وفي موقع كهذا تصبح الطرق الصوفية بحكم التوظيف السياسي في مواجهة حتميــة مــع الكتل السياســية المعارضة الصاعدة، خصوصــا إذا كانت هذه الكتل السياســية والاجتماعية يمكن أن تصنف خصما أو غريما اجتماعيا ومنافســا شعبيا لتلك الطرق، وقد كان هذا هو أحد الخيارات الممكنة في بناء العلاقة مع الحركات الإســ مية، خصوصا مع تأثير الفكر السلفي على العديد من الحركات الإسلامية، حيث شكلت الحملات المنكِرة على أفكار المتصوفة وممارساتهم حافزا على الدفع بالطرقية بعيدا عن التعاون مع الإسلاميين.
243
Made with FlippingBook Online newsletter