177 |
مقدمة يتفــق معظم الباحثيــن والأكاديميين الذين كتبوا عن الرأي العام حول صعوبة وضع تعريف دقيق ومحدد لهذا المصطلح الذي يتميز بســمته المركبة، ســواء من خلال ارتباطه بالظاهرة الإنســانية، أو ارتباطه بســلوك الفرد وعلاقته بالجماعة التي ينتمي إليها؛ فهو ظاهرة اجتماعية وسياسية في آن واحدٍٍ. وهذا ما يجعل تحديد المصطلح ودراســته تتوز ََّع بين علوم عديدة، منها: علم الإنســان الذي يدرس الظاهرة البشرية، وعلم النفس الاجتماعي، وعلم الاجتماع السياسي، ثم هناك الجانب الاتصالي الذي يُُعطي بعدًًا شموليًًّا للظاهرة في علاقتها بوسائل الاتصال والمستحدثات التكنولوجية الرقمية، خاصة في البيئة الاتصالية الرقمية الجديدة؛ حيث يواجه مفهوم الرأي العام أســئلة كثيرة، لاسيما في ظل تعاظم انتشار شبكات التواصل الاجتماعي التي تتكاثر شـ َِّظِيََة والمتصارعة.كما �ََ فيها الآراء الفردية والمُُفََتََّتََة، وتتناســل فيها المجموعات المُُت يتعاظــم دور أنظمة الخوارزميــات في توجيه الرأي العام من خلال تحديد أولويات المســتخدمين وتفضيلاتهــم وتصنيفهــم وفقًًا لاهتماماتهم وخصائصهم وســلوكهم الاتصالي وآثارهم الرقمية، والربط بين اهتمامات هؤلاء المســتخدمين. وتقوم هذه الخوارزميات أيض ًًا بوظيفة الفرز من خلال حذف بعض المعلومات والتركيز على ما يبدو مهم ًًّا أو أكثر أهمية؛ الأمر الذي يكشف تشابك المصالح الاقتصادية والسياسية والإعلامية في تشكيل الخطاب العام والتأثير في الشؤون الداخلية للمجتمعات. ويُُثير ذلك إشــكالية التفاعل المعقََّد بين الإعلام والسياســة وتشكيل الرأي العام؛ إذ تســتخدم الجهات والمؤسســات الفاعلة (المؤسسات الإعلامية الكبرى، والشركات المالكة للشبكات الاجتماعية، وشركات الاستشارات السياسية) إستراتيجيات متطورة سعيًًا إلى توجيه الجماهير من خلال تسليط الضوء على قضايا معينة وحجب قضايا أخرى. ولا يبدو هذا الأمر جديدًًا؛ إذ ناقشه قبل عقود عالم الاجتماع الفرنسي، بيير )، الذي يُُشك ِِّك في مصداقية استطلاعات الرأي العام، بل Pierre Bourdieu بورديو ( الأزمنة " في مجلة 1973 (نُُش ِِرت عام " الرأي العام غير موجود " يؤكد في مقالة بعنوان ) أن الجهات التي تُُشــرف على هذه الاستطلاعات تُُوََلِِّد وتُُنتِِج 318 ، العدد " الحديثة الــرأي العــام، أي تقوم باصطناعه. ويعتقد بورديو جازمًًا أن الرأي العام غير موجود
Made with FlippingBook Online newsletter