العدد 5 – يناير/كانون الثاني 2025

| 178

بأي حال من الأحوال بالشــكل المنســوب إليه من قِِبََل من لهم مصلحة في تأكيد وجوده. ويُُعلِِّل ذلك بأن القضايا التي تقترحها اســتطلاعات الرأي تخضع للمصالح السياسية، وهذا يتحك ََّم بشدة في معنى الإجابات، وأيض ًًا في المعنى الذي يُُعطََى لنشر النتائج. ويرى بورديو اســتطلاع الرأي وســيلة للعمل السياسي، كما أن أي ممارسة للقوة يُُصاحِِبها خطاب يهدف إلى إضفاء الشرعية على قوة من يُُمارِِسها. ولا يمكن -بحســب وجهة نظــره- التقد ُُّم في بلورة نقاش حول الــرأي العام من غير تفكيك أربعة أسئلة جوهرية، وهي: هل كل الناس بمقدورهم تشكيل رأي؟ وهل كل الآراء متســاوية من حيث القيمة؟ وهل إن طُُرح الســؤال نفسه على جميع الناس يعني أن هناك إجماعًًا حول الأســئلة التي يجب طرحها؟ وهل الناس يُُعانون من المشكلات نفسها التي تُُعالجها الأسئلة؟ من جهة أخرى، يطرح خبراء الاتصال السياســي إشــكالية التعاطي المباشر من قِِبََل ): تأثير الشخص 1 العامة مع نتائج استطلاعات الرأي العام؛ إذ يسود تأثيران مهمان( الثالث، وتأثير الشخص الأول. ففي حالة تأثير الشخص الثالث يعتقد عامة المواطنين أن التأثيرات الســلبية والتحديات المجتمعية والسياســات التقشفية والإصلاحية التي تتخذها الحكومات ستقع فقط على الآخرين، ولن تصيبهم على المستوى الشخصي والعائلي؛ الأمر الذي يُُضعِِف النســيج الاجتماعي والجبهة الداخلية للمجتمع. وفي المقابل، عندما تُُظهِِر نتائج الاستطلاعات إنجازات بعينها وأطروحات إيجابية وتفاؤلية يعتقــد للمرة الثانية قطاع عريض مــن المواطنين بأحقيته بها دون غيره؛ مما يُُعرِِّض السلم الاجتماعي للانهيار، وتسود الفوضى والأََثََرََة والانتهازية بين المواطنين، وهو ما يُُعرََف علميًًّا بتأثيرات الشــخص الأول. وفي السياق ذاته، يؤكد الباحثون أنفسهم أن النخــب والفئــات الأكثر تعليمًًا وثقافة ودراية بالشــؤون العامة تُُعد الأقدر على الاستفادة من استطلاعات الرأي العام، ومن ثم نقل تلك الاستفادة المعرفية والفكرية لعامة المواطنين لتبصيرهم بالتحديات المجتمعية، وحثهم على المشاركة الفاعلة في مواجهتها عبر الزمن. وفي هذا الســياق، تََبْْرُُز أهمية دراسة ومناقشة مصطلح الرأي العام ومكوناته وآليات تشــكيله وقياســه، وهل مــا يََنْْتُُج عن ذلك من رأي عــام حقيقة أم اصطناع في ظل تعاظم انتشــار مســتحدثات تكنولوجية رقمية ومعلوماتيــة للتعبير عن الرأي، وتأثير

Made with FlippingBook Online newsletter