197 |
رأي الجمهور للمســؤولين. ويخشــى الكثير من المراقبين أن تُُســهِِم الاستطلاعات غيــر الدقيقة في صنع سياســات خاطئة ومُُضــرة بالمصلحة العامة، وخير مثال على ذلك تجربة رئيس الولايات المتحدة الأســبق، جورج بوش، ورئيس وزراء بريطانيا الأســبق، توني بلير، اللذين اعتمدا نتائج اســتطلاعات الرأي العام الموج ََّهة والقائمة على معلومات خاطئة لاتخاذ قرار الحرب على العراق، وقد أدى ذلك إلى خســائر ). هذا الطــرح يدور حول آليات قياس 29 إســتراتيجية أضــر ََّت بأمن البلدين لاحقًًا( الرأي العام وليس موته أو عدم وجوده، ومن هنا لابد من الإشارة إلى أهمية إعادة النظر في هذه الآليات وكيفية إحكامها كأدوات لقياسه. انطلاقًًا من " موت الرأي العام " من جهة أخرى، يتبنى بعض أهل الاختصاص فكرة ا يُُض ْْعِِف من فاعليته أن تأثيــر المتحكميــن في صناعته بات كبيرًًا؛ إذ لم يتركوا مجالًا إلا وسلكوه، ومن ثم ض ََعُُف تأثيره في مجريات الأحداث. إن الأمر الجوهري لدى أنصــار هــذا الاتجاه أن هناك إمكانية لتقديم دفوعــات نظرية تُُعزِِّز من جدلية موت الــرأي العــام. وفي المقابل، هناك من يرى أن ظاهــرة الرأي العام لا تزال موجودة ومؤثرة في مجريات الأوضاع السياســية والاقتصادية والاجتماعية بدرجات متفاوتة بغض النظر عما لحق بها من تشويه وتضليل مُُتعم ََّد. ووفقًًا لأنصار هذا الاتجاه، فإن قدرة الأفراد على التعبير عن آرائهم والتواصل مع الآخرين الذين يُُشاركونهم وجهات نظرهم باتت أمرًًا ميسورًًا، وقد جعل هذا التطور الرأي العام أكثر ديناميكية وتأثيرًًا في الوقت الراهن، وهذا ما تتبنََّاه هذه الدراسة. ففي إطار مقاربة تحليلية يمكن القول: إن جدلية موت الرأي العام، فكرة أو أطروحة، لا تُُعبِِّر عن الواقع إذا كان مقصودًًا بها عدم وجود رأي عام بســبب طبيعة النظام السياســي وسقف الحرية الممنوحة لأفراد المجتمع في التحرك الســلمي المدني للتعبير عن آرائهم حيال أي قضية ذات طابع عام وتمس مصالحهم على المديين المتوسط والطويل. فالواقع يدعم فرضية وجود رأي عام بغض النظر عن العوامل المحيطة بتشك ُُّله، ولكن تتفاوت درجاته من حيث الكمــون والظهور، ومن حيث الإيجابية والســلبية. وهذا التفاوت تتحك ََّم فيه جملة عوامل أهمها سلامة الفرد الشخصية إذا أظهر رأيه الحقيقي في مجتمع يحكمه نظام مُُتسلِِّط لا يسمح بأي قدر من الحرية، بجانب عامل آخر وهو الخوف من أن تتهدََّد مصالحه بسبب رأيه الذي قد يبديه.
Made with FlippingBook Online newsletter