العدد 5 – يناير/كانون الثاني 2025

| 200

في صـنع السياسات العامـة، كما يمكن تجاهلها عند وضع هذه السياسات. ويؤكد أصحاب هذا الرأي أنه في الوقت الذي نجحت فيه نتائج اســتطلاعات الرأي العام في التغلغل في نســيج عملية اتخاذ القرار السياســي، وفي أن تصبح مؤشرًًا يُُعتد به في رســم السياســات العامة أو تقويمها، اســتُُخدمت أيض ًًا للتأثير على الرأي العام، وفــي تحريك الجماهيــر أو التلاعب بها. ويرى أنصار هــذا الاتجاه أن تأثير نتائج اســتطلاعات الرأي العام يختلف من سياســة لأخرى ومن مجال لآخر، كما يختلف من فترة زمنية لأخرى. ومـن ثـم، فالتـساؤل الرئيس هنا هو كيف تؤثر استطلاعات الرأي العام؟ وفي أي سياســـات؟ وكيـف يختلـف مستوى استجابة المسؤولين من مجال لآخر، ومن سياســة لأخرى؟ ويُُشــير أنصار هذا الاتجاه إلى أن المســؤولين يســتجيبون عندما يكون الرأي العام واضح ًًا بشــأن قضية مهمة، أما في حالة إذا لم تكن القضية مهمة، وليس هناك رأي عـام واضـح بشأنها، فيصنع المسؤولون السياسة العامة وفقًًا لتصوراتهم الخاصة. ويميل الباحث إلى أن الرأي العام لا يزال موجودًًا ومؤثرًًا في صنع السياسة العامة، وإِِن كان بدرجات متفاوتة تتحكم فيها طبيعة النظام السياسي القائم من جهة، وطبيعة القياسات التي تجري من جهة أخرى. ففي الأنظمة الديمقراطية تُُعد ثقافة الفرد في المجتمع، ومحركات تفكيره العقلية، العامل الأساســي في بناء الرأي العام. ويُُمثِِّل الموقف من قضية ما تشغل المجتمع نتاج ًًا لتفاعل أفكار الأفراد في مناخ من الحرية يسمح بالتفاعل الذي يؤدي إلى تشك ُُّل رأي عام حقيقي يتحدد موقفه من الشأن العام بدون ضغوط أو إكراه. فالنظام السياســي القائم على حرية الرأي يُُتيح لأفراده دورًًا أكبر في المســاهمة في صنع السياســة العامة، ولذلك يلاحظ أن الأحزاب السياسية -باعتبارهــا مؤسســات مدنية معنية بالتعبير عن مصالح النــاس- تُُولي اهتمامًًا كبيرًًا للرأي العام ولا تتجاوزه في أي قضية؛ الأمر الذي يجعل تحركات هذه المجموعات والكيانات السياسية عندما تتقلد السلطة وتصبح جزءًًا من عملية صنع السياسة العامة محكومة بمحدد رئيس وهو رغبات وتطلعات الجماهير التي أوصلتها لسدة الحكم. ولعــل أبرز النماذج على هــذا النوع هو الأنظمة الديمقراطية، خاصة في الغرب؛ إذ يتحكم الرأي العام في صنع المشــهد السياســي بشــكل كلي ابتداء من الانتخابات التمهيدية على مستوى الدوائر الانتخابية المحلية والولائية -كما في النظام الأميركي- مرورًًا بالمستوى الوطني الذي يتحدد بموجبه نواب المؤسسة التشريعية. ومن ثم لا

Made with FlippingBook Online newsletter