| 438
المتعلقــة بالعصور القديمة، مثل الإمبراطورية الرومانية والعصور الوســطى أو حتى العصور الحديثة المبكرة في القرنين السادس عشر والسابع عشر، فيعتقدون بإمكانية العثــور علــى مظاهر للرأي العام في تلك الفترات، ويــرى آخرون أن هذا المفهوم ). ويســتمر الجدل حول معنى هذا المفهوم المعقد 19 لم يظهر إلا في زمن لاحق( ومدى أهميته في تشكيل الفعل السياسي والاجتماعي، وكيفية استخدامه لفهم تطور المجتمعات عبر الزمن. وفي المحصلة يمكن القول: إن هذه الرحلة التاريخية، التي استطاعت جمع الشتات التاريخــي لمفهوم الرأي العام بناء على الدراســات والنظريــات التي ارتبطت بهذا الموضوع، تمكنت من تقديم قراءة شاملة للتفاعل الجدلي بين الرأي العام والسلطة السياسية اعتبارًًا لكون السلطة، بغض النظر عن طبيعة شرعيتها، ترتهن في بقائها إِِن لم يكن في وجودها لهذا الكائن الغامض الهلامي غير محدد الملامح الذي يُُســم ََّى . " رأيًًا عامًًّا " لكن رغم هذه الأســئلة الإشــكالية، فإن أهمية القراءة التاريخية في الكتاب تكمن في منظورها الســياقي الذي لا يتوقف عند القراءة الكرونولوجية لتطور الرأي العام في أثينا القديمة إلى عصر التواصــل الرقمي، بل اهتمت هذه " الأغورا " منــذ زمــن القراءة التاريخية بالعلاقة الجدلية التي تربط بين السلطة -أيًًّا كان شكلها وشرعيتها- والمجتمــع المدنــي في إنتاج الآراء العامة. فالكتاب ينطلق من أن الحكام أيًًّا كانت مصادر شرعيتهم يهتمون بما يعتقده الناس بشكل عام، وما يُُفك ِِّرون فيه تجاه هؤلاء الحكام بشكل خاص. ويرتبط هذا الحرص على معرفة مواقف الجمهور بهدف أبعد يتمثََّل في توجيه هذه الآراء والتأثير فيها بما يضمن استمرار حكمهم وتوس ُُّع سلطاتهم ويحول دون التمرد أو الثورة عليهم. وهنا، يُُشير الكتاب إلى ارتباط أساليب الدعاية مبكًرًا بالرأي العام حتى لو تعلق الأمر بصناعة رأي عام مُُزََيََّف لا يعكس الحقيقة. ويخلص الكتاب إلى أن تاريخ الرأي العام هو تاريخ شامل يتقاطع مع الحركة العامة للمجتمعات على جميع المستويات، وأن محاولة الباحثين الثلاثة تقديم رؤية بانورامية بهذا الاتســاع -تجمع جزئيًًّا بين مجتمعات قديمة ووسيطة وحديثة- إنما تقوم على المفاهيم المعاصرة للرأي العام التي تتضمن ضمن شــروطها الأساســية اســتقلالية المجتمع عن السلطة، وإمكانية انتقاد السلطة من قِِبََل المجتمع.
Made with FlippingBook Online newsletter