العدد 5 – يناير/كانون الثاني 2025

43 |

وتشمل هذه الإبادة محاصرة بنية الخطاب والمحتوى والشكل جميعًًا. فعلى مستوى ا إلى كامل بنية الخطاب، يبدأ التتبُُّع من الكلمة مرورًًا بالعبارة والجملة والفقرة وصولًا النص. وعلى مســتوى المحتوى، يتم تتبُُّع الــدلالات المختلفة للكلمة، وتأويلاتها، ومرادفاتها، دون استثناء للسياق، أو الموضوعات التي ترد فيها الكلمات والعبارات والجمل. أما فيما يخص الشكل، فقد يصل التتبُُّع -بغرض الإبادة- إلى الألوان التي ترمز إلى هوية ما، والأيقونات، والوسائط التواصلية غير النصية الأخرى، مثل الصور والأصوات والجداول والرسوم البيانية والحركة، وغيرها. ثمة تســاؤل مشــروع قد يطرح نفسه: أيمكن -فعليًًّا- تحقيق الإبادة الرقمية للرسائل التواصلية بحيث لا يبقى لها أي أثر؟ إذا انطلقنا من طبيعة الوجود الرقمي، فيمكن القول باســتحالة تحقيق الإبادة الرقمية الكاملة؛ ذلك أن الرقمنة تســمح بتعدُُّد تمظهرات المحتوى التواصلي عبر وســيط بعينه أو عبر وســائط متعددة، وتســمح بتحدي البلاء والاندثار، كما تســمح بتعدد أشــكال التخزين وأماكنه وطرق الاســترجاع، والاحتفاظ بالهوية الأصلية للمحتوى، ا عن التحوُُّل من صيغة إلى أخرى وعدم مثل تاريخ النشر وتواريخ التعديلات، فضلًا التأثر بالانتقال من مكان إلى مكان وكأن هذا المحتوى موجود في اللامكان. لكــن تتحقق الإبادة الرقمية من خلال الإجراءات التي يتََّبعها مرتكب الفعل الإبادي ش ـ ِئ للرســالة التواصلية والســاعي إلى �ْْ الرقمي؛ إذ تهدف إلى إفقاد المتواصل، المُُن نشــرها، ميزة العالمية التي تكفلها شــبكة الويب؛ حيث يصبح كل ما يُُنشــر عبرها ا للتلقي الفوري على نطاق عالمي؛ الأمر الذي قد يحول دون تشكيل رأي عام قابل ًا عالمي ضمن بُُعد الزمكان الملائم. فعلى الرغم من أن الرقمنة تسمح بالإفلات من حدود الفضاءات المهيمنة (مثل فضاءات شبكات التواصل الاجتماعي الكبرى) إلى فضاءات أخرى أقل هيمنة، مثل مواقع الويب الأخرى الخارجة عن سيطرة مرتكبي الإبادة الرقمية، إلا أن الانتشار سيكون محدودًًا وفاقدًًا للفعالية المرجوة. ويُُلاح ََــظ مــن خلال تقارير المنظمات الدولية والجهــات المعنية برصد الانتهاكات التــي يتعرض لها المحتوى الفلســطيني في وســائل التواصــل الاجتماعي كيف أن هــذه الانتهاكات ذات طابــع ممنهج -كما ذُُكِِر آنفًًا- تهدف إلى إســكات الصوت الفلســطيني والأصوات التي تُُبدي تعاطفًًا معه. وعندما يتم وضع محتوى ما تحت

Made with FlippingBook Online newsletter