451 |
يُُعلن الكاتب نداي بشــكل واضح عن موقفــه، ويأتي متن الكتاب ليُُصد ِِّق العنوان، فالكتاب هو رحلة في قلب التفاعل المعقد بين وســائل الإعلام والسياســة وتشكيل الرأي العام؛ إذ يتوجه المؤلِِّف مباشــرة نحو الإشــكالات المتعلقة بالرأي العام في مســارات تََش ََك ُُّله مع تركيز كبير على وسائل الإعلام في سعيها للتأثير، بل والسيطرة على الإدراك الجماعي وفقًًا للكاتب. فهو لا يتردََّد في اتهام وســائل الإعلام بالقيام بعملية تضليل ممنهجة للرأي العام تتم في تفاعل مستمر بين السياسيين والإعلاميين: فانتقاء الصور والعناوين أو الاستخدام الإحصائي للبيانات، وزوايا التقارير المنحازة كلها تقنيات تُُسْْتََخْْدََم لتشكيل تصورات الرأي العام وفهمه لقضايا العالم من حوله. وإذا كان الباحث نداي يتفق مع الأطروحة الرئيسية للكتاب الذي نحن بصدده باعتبار فهو يذهب إلى أن الأمر يتعلق ببناء سياسي وإعلامي تتأثر تصوراته " بناء " الرأي العام بمفهومين: الرأي العام الإعلامي والرأي العام المُُسْْتََنِِد إلى الاستطلاعات. وهنا، يُُشــير نداي إلى تشــابك المصالح السياســية والاقتصادية مع وسائل الإعلام لتشــكيل الخطاب العام، وكيف يســتخدم الفاعلون الأقوياء إســتراتيجيات متطورة لمحاولــة توجيــه هذا الرأي العام عبر التركيز على بعــض القضايا وتجاهل أخرى، مســتغلين الخوف والانقســامات. والواضح أن كتاب نداي، خلافًًا لكتاب المؤلِِّفين الثلاثــة، تضمن مواقف واضحة لا مواربة فيها بشــأن العلاقــة بين الرأي والإعلام والسياسة. فهو لم يعتمد لغة أكاديمية باردة تأخذ مسافة مع الحدث، واختار عوض ًًا عنها أن يجعل من كتابه مســارًًا اســتدلاليًًّا على كيفية تشكيل الرأي العام باستعمال . ويذهب إلى أن " لتمرير أكاذيب ضخمة باعتبارهــا حقائق مطلقة " أدوات خداعيــة الحقيقة والكذب قريبان جد ًًّا لدرجة أن المعلومة تتلوث بالمصالح الكبيرة للشركات الإعلامية التي تسعى إلى تعزيز نفوذها على حساب احتياجات الجمهور الذي أصبح وسيلة لتحقيق القيمة. وتستند هذه الحقيقة إلى تواطؤ. أكثــر من ذلك. يرى نــداي أن الحديث عن رأي الجمهور كما لو كان كيانًًا موحدًًا يتمتع بمجموعة من المشــاعر، ويتأثر، ويســتاء أو يغضب، إنما هو تفســير أحادي لسلوك الجمهور يُُعبِِّر عن نوع من التلاعب، مما يدفع للاعتقاد بأن الصحفيين فقط هم القادرون على تفسير ما يشعر به الجمهور الصامت. بينما يسعى السياسيون لجذب هذا الجمهور تأكيدًًا لشرعيتهم.
Made with FlippingBook Online newsletter