453 |
فــي الواقــع لا يمكن إغفال الكم النظري الهائل الذي تضم ََّنه الكتاب بما يجعل منه مرجعًًا لا غنى عنه في أي دراسة تتعلق بالرأي العام، فالإحالات -كما تشهد المراجع البيبليوغرافية في نهاية الكتاب والاستشهادات في متنه- تؤكد تعمقًًا نظريًًّا كبيرًًا وفهمًًا واستيعابًًا للأصول النظرية للموضوع. ولكن هذا لا يمنع من الإشارة إلى أن المؤلِِّفين الثلاثة كان بإمكانهم الاســتعانة في الجزء الثالث المخصص لدراسة الرأي العام في عصر الإنترنت بنظريات أساســية ضمن ما يُُســم ََّى بدراسات التأثير، وهي دراسات تُُشك ِِّل ثمرة عمل متواصل ومترابط لباحثين من أجيال مختلفة على امتداد نحو قرن من الزمن، مما يجعل منها مرجعية أساســية في كل دراســة جادة للرأي العام على وأن الأفراد وحدات مُُشََك ِِّلََة " الرأي العام " اعتبار أن منتهى تأثير وسائل الإعلام هو لهذا الرأي العام. وإذا كان الكتاب ليس مهتم ًًّا بمســألة دراســات التأثير وليــس مطلوبًًا منه إيراد كل النظريات على هذا المستوى، فلعله كان مناسبًًا استدعاء بعض التأطيرات المفاهيمية التي يمكن أن تُُمثِِّل إطارًًا نظريًًّا مناسبًًا للفهم، ويمكن البناء عليها ومناقشتها أو حتى تجاوزها وتقديم إطار بديل لها. والحديث عن هذا الأمر لا يُُقلِِّل أبدًًا من أهمية ما تضمََّنه الكتاب من تصورات نظرية؛ ما يجعل منه مرجعًًا أساســيًًّا لا غنى عنه لمن يدرس هذا الموضوع، بل إن الكتاب أشــار إلى هذه النظريات، وقد ََّمها في سياقات مختلفة، لكن بدا أن اســتدعاءها كان محدودًًا في دراســة آثار الإنترنت في علاقته بالرأي العام على أهميتها في تقديم عناصر تفســيرية مهمة. ويشــير الباحث هنا إلى نظريتين أساســيتين وهما: نظرية دوامة الصمت، ونظرية وضع الأجندة، في ســياق تعاظم استخدام وانتشار الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي. النظرية الأولى: دوامة الصمت هــل لا تزال نظرية دوامة الصمت تُُســاعد في فهم تحولات الرأي العام في ارتباط ،) 44 بصعود الإنترنت؟ تقوم أطروحة هذه النظرية التي طورتها إليزابيث نويل نيومان( ، على أســاس أن الأفــراد عندما لا يجدون أفكارهم مُُمََثََّلََة في وســائل 1974 عــام الإعلام يعتقــدون أنهم أقلية، ومن ثــم يلجؤون تلقائيًًّا إلى تجنب التعبير عنها حتى لا يتعر ََّضــوا للعزلــة؛ إذ يعتقدون أنه لا يوجد أناس آخرون يحملون نفس مواقفهم. وتقوم فرضيات النظرية على أن الفرد بطبعه لديه شــعور بالانتماء إلى رأى الغالبية،
Made with FlippingBook Online newsletter