الهروب الجماعي إلى أرمينيا. فرنسا من جهتها، وبعد مساندتها لأرمينيا طوال سنوات، بفعل ضغوط الأقلية الأرمينية الفرنســية، أو بدوافع دينية أو استراتيجية، خرجت أيضًا خاســرة. فلا هي اســتطاعت أن تلعب دورًا فعاً ضمن لجنة الوســاطة الثلاثية، ولا هي أظهرت قدرة وعزمًا على تقديم مساندة فعالة لأرمينيا. ولا تقل خسارة الولايات المتحدة، المنشغلة بأزمة ما بعد الانتخابات الرئاسية، عن خسارة فرنسا. فقد أدى عجز واشــنطن عن التدخل الفعال في مجريات الأزمة إلى التفرد الروســي، ومن ثم تعزيز نفوذ موسكو عبر جنوب القوقاز برمته. أمــا الخاســر الإقليمي الرئيس، فــكان إيران بالتأكيد. فقد أسســت الجمهورية الإسلامية تحالفًا استراتيجيًا مع أرمينيا منذ التسعينات، لعدة أسباب: الثقة المفقودة بين طهران وباكو لأسباب تاريخية معقدة؛ ما جعل في النهاية كّ منهما يختار التحالف مع خصم غيره، فتحالفت أذربيجان مع إسرائيل وكانت إيران تميل لمساندة أرمينيا، ففاقما مخاوفهما المتبادلة. خشــية طهران من انتقال النزعة القومية الأذرية من أذربيجان إلى صفوف الأذريين الإيرانيين، الذين يشــكّلون الكتلة البشــرية الثانية، من حيث الحجم، ضمن الجماعات الإثنية والطائفية الإيرانية. هذه المرة، ونظرًا لتصاعد مشاعر التضامن من الأذريين الإيرانيين مع أشقائهم في أذربيجان، دعا الموقف الرسمي الإيراني أرمينيا إلى الانسحاب من الأراضي الأذرية المحتلة، وامتنعت إيران عن تقديم مساندة ملموسة لأرمينيا. أما وقد انتهت الحرب بهزيمة أرمينيا، فلابد أن إيران تنظر بقلق بالغ إلى تعزيز الروابط الآذرية الإسرائيلية، وإلى الوجود العسكري التركي في أذربيجان، واحتمالات ازدياد النفوذ التجاري التركي في كافة المحيط الشمالي، من أذربيجان إلى أوزبكستان. بصورة عامة، كانت مسألة قرة باغ في السنوات الأخيرة قد نُسيت، أو تراجعت إلــى حــدّ كبير في جدول الاهتمامات العالمية. فلا أحد كان لديه الوقت أو الحماس للاهتمام بصراع محدود، بين دولتين صغيرتين، في جنوب القوقاز، الذي يصعب على أغلب قادة العالم تحديده على الخارطة. أما اليوم، وبالنظر إلى حجم الخسارة والربح في جولة الحرب الثالثة، لم يعد ثمة شك في الخطأ الفادح الذي ارتكبه كل من تجاهل هذا الصراع. ولا شك أن مستقبل هذه الأزمة في السنوات القادمة سيتشكل بناء على . 2020 الترتيبات التي أفرزتها حرب العام
69
Made with FlippingBook Online newsletter