129 |
وإنما يدرس عملية االتصال بكامل أركانها، وهذا ما يفسر عالقة علم االتصال بالعلوم اإلنسانية األخرى. وقد ركزت اتجاهات بحوث االتصال كافة على دراســة تأثير وســائل االتصال في الجمهــور حيــث أراد الباحثون التعرف على ماذا يفعل الجمهور بالوســائل، وماذا تفعل الوســائل بالجمهور. ويُعد تحليل تأثير وســائل اإلعالم مفتاحًا لكل دراســة حول االتصال؛ حيث شــكَّل محور النقاشات المعرفية التي أسست لبحوث اإلعالم واالتصال، ونتج عن هذه البحوث والدراســات مجموعة النظريات والمقاربات التي تناولــت التأثير القــوي والتأثير االنتقائي والتأثير المعتدل، وهي بحوث تهتم بالتغيير أو التحول الذي قد يطرأ على سلوكيات الجمهور ومواقفه وحاالته االنفعالية الذهنية اإلدراكية والمعرفية أثناء وبعد التعرض لوسائل اإلعالم ومقارنة ذلك بالوضع السابق للتعــرض. وقــد تميزت أبحاث التأثير في الفترة األولى (منذ بداية القرن العشــرين إلــى بدايات الحرب العالميــة األولى) بالتركيز على األثر القوي لوســائل اإلعالم في الجمهور، ومفاد ذلك أن الرســائل، التي تقدمها الوســائل االتصالية ويســتقبلها الجمهور، تؤدي إلى استجابة آنية ومباشرة وفورية متأثرة بافتراضات نظرية المجتمع ). وكانت المحاوالت التي تتناول العالقة بين ما تبثه وسائل اإلعالم 12 الجماهيري( والجمهــور المتلقي في هذه المرحلة عبارة عن انطباعات وآراء ونظريات ذاتية أكثر منها استنتاجات لتحليل وقائع موضوعية وعلمية. أما أبحاث المرحلة الثانية (من أواخر ســنوات الثالثينات إلى الســتينات من القرن العشــرين) فقد ركزت على إعادة النظر في قدرة وسائل االتصال على التأثير القوي فــي الجماهير، ونتــج عن ذلك نظريات جديدة تشــير إلى محدوديــة التأثير، وأن وســائل االتصال ما هي إال عامل من بين عوامل أخرى تؤثر جميعها في ســلوكيات واختيارات األفراد. وقد اهتمت الدراســات فــي هذه الفترة بالتركيز على التأثير في المجال السياســي، وهي دراســات أُجريت حول تأثير أنــواع من المحتوى، خاصة األفــ م وبرامج الحمالت االنتخابية فــي الواليات المتحدة األميركية، وترتب على ذلك إعادة النظر في طبيعة العالقة بين وسائل اإلعالم واألفراد، وتم رفض فكرة أن الناس يواجهون وســائل اإلعالم باعتبارهم جمهورًا ال رابط بين أفراده وأن وســائل االتصــال ال تعمل وحدها ســببًا ضروريًّا وكافيًــا للتأثير في الجمهور؛ ولكنها تعمل ضمن جملة عوامل أخرى. وفي هذا الصدد، يمكن اإلشــارة إلى أبحاث الجمهور
Made with FlippingBook Online newsletter