العدد 15 – أغسطس آب 2022

13 |

مقدمة في هذا البحث ال تعد الســلفية نزعة دينية فحســب، بل أيديولوجيا تقوم بالمعارضة الشديدة للتطويرات التي طرأت على مستويين من مستويات الدين: المستوى الفكري والتعبــدي، فقد تهتــم بعض اتجاهات هذه األيديولوجيا بعمليــة إعادة تقنين الدين على المســتوى العقائدي، هادفة إلى الترشــيد الميتافيزيقي واألخالقي للعقائد كما هي موجودة بالفعل. وتنشــط ســلفيات أخرى على المستوى التعبدي، فتعمل على إعادة تقنين الشــعائر الدينية بتوحيد نماذجها، وكلماتها، وإشاراتها وإجراءاتها، لكي .) 1 تتم المحافظة على النشاط الشعائري األصلي في مواجهة البدع المستجدة( إن المصطلح الديني الذي يوظِّفه الســلفيون لوصف نشــاطهم هو الدعوة، إنه عمل نضالي وسيلته األساسية الوعظ الديني البعيد كل البعد عن اإلعداد والتأهيل السياسيين (السلفية المسيَّسة)، وهو عمل دائم ومستمر؛ فالسلفية ال تقبل فتور معتقداتها، ولذلك تجد نفسها مدعوة إلى بدل مجهود متواصل لبث أفكارها عن طريق تلقينها. إن تصنيف السلفية الدعوية أيديولوجيًّا يدفعنا إلى تجاوز كل تحليل يقف عند حدود االســتعراض الموضوعاتي لمذهبية الســلفية ويجبرنا على السير تجاه تحليل مساحة الثابــت والمتحرك فيها، ليس بغرض الخــوض فيما يثيره الموضوع عادة من نقاش ديني أو فلسفي، بل للتعرف على الطريقة التي جرى بها تأويل المعاني للحفاظ على السلطة الخطابية أو النتزاعها. إلى حد بعيد بحيــث تكون تعاليمها مجموعة " راديكالية " إن الســلفية الدعويــة هي منغلقة من الشــعائر والموجبات والممنوعات تنبني على ما يشــكِّل حجر الزاوية في كل ديانــة، ذلــك الفرق بين المقدس والمدنس... لكنــه وبفعل الزمن والتجديدات المتالحقــة... تظهر مواقف جديدة تُخرج الراديكاليات من طبيعتها، ليجري الســير بالتنظيــم إلــى حركات فكرية تصحيحية تهدف إلى إحــداث التغيير في إطار الواقع وممكناته. وبســبب هذه الراديكالية تبقى العقائد الدينية عصيَّة على التغيير وتتحوَّل بسبب ذلك إلى أيديولوجية باردة وفاترة، لكن اصطدامها بالواقع، يدفع كثيرًا من المجددين إلى ، " االعتدال " التي يخفونها تحت ســتار شعار " المراجعة المســتمرة " إحداث نوع من

Made with FlippingBook Online newsletter