العدد 15 – أغسطس آب 2022

207 |

بالوعود التي حملها الديمقراطيون لشــعوبهم ولإلنســانية ككل، غير أن القليل منها ظل متمســكًا بأولوية تفكيك البنيات المأزومة من خالل النصوص التأسيســية للعقد السياسي االجتماعي. إنــه مدخــل قد ال يكون مغريًا للقارئ العــام وحتى لجانب من النخبة التي ترى أن الدستور، شأن مجمل النصوص القانونية، ليس إال مسوَّدة تنفصل عن مراميها األصلية ومضامينها الحرفية لترهن تأويلها بهندسة السلطة وتموقع الطبقات المهيمنة وتجاذب المصالح وقوة السلط المضادة وغيرها من العوامل. قد تنطبق على النص التأسيســي المقولة الرائجة التي تجعله كتابًا للمنتصرين، يتلوَّن بتلــوُّن التحوالت ويتمطط بإرادة الحاكمين. إنهــا مرونة التأويل التي تعود لألغلبية المهيمنة على المؤسسات، المتحدثة باسم الشعب. كما أنه يســود انطباع عام بأن الدســتوريين، الذين يُنظر إليهم أنهم سدنة الجامعات، مهووســون بالقراءات الضيقة وإصــدار الفتاوى حول دالالت الوثيقة الدســتورية، منفصلــون عن حقائق اللعبة السياســية التي تجري وراء ظهــر النص، وعن الدوائر الفعلية لحيازة وتوزيع السلطة. ويتبنى روسو فكرة توحي بأن السلطة تحولت من وديعة تشاركية إلى ملكية وامتياز يحوزه ممثلو الشــعب. وأصبح التفويض المشــروط تفويتًا كام ًل من لدن الشــعب إلرادته. إنها إذن ديمقراطية مختطفة نتجت عن تراخي الشــعب عن ممارســة حقه/ واجبه الديمقراطي قانعًا بتوكيل الممثلين صالحية صناعة واتخاذ القرارات المناســبة للمصلحة الجماعية، من جهة، وعن تبلور قناعة الممثلين بأن التمثيلية ترادف التحكُّم في مصائر الجماعة، من منطلق أن التمثيلية بمنزلة تفويت نهائي لحق هو أص ًل غير قابل للتفويت: حق المشاركة في الشأن العام. وقْــف هــذا االنحراف المفهومي وســد هذا الثقب الذي يتســع باطراد في ســماء الديمقراطية الفرنسية نتيجة اتخاذ التمثيلية طابعًا أكثر إطالقية وشمولية وانفصا ًل عن قاعدتها الشــعبية هو الغاية الناظمة لالجتهادات الفقهية التي أطَّرها دومينيك روســو . " الديمقراطية المستمرة " تحت عنوان: فــي حديــث لصحيفــة لوموند حول هذه األطروحة، يشــدِّد روســو على أن أصل ، الذي 1789 الديمقراطية المســتمرة في ديباجة إعالن حقوق اإلنســان والمواطن، نص على أن المواطنين يســاهمون بشكل شخصي أو من خالل ممثليهم في صناعة

Made with FlippingBook Online newsletter