209 |
بها على مختلف المســتويات واقتحام ســاحة النقاش العام، والدفع في اتجاه تطبيق وصفات الحد األدنى لضمان استدامة النظام وشرعيته الشعبية. ثم إن المدخل الدســتوري ليس إال واجهة من سلســلة عمليات إصالحية متعددة األبعاد. نعم للدســتور دور تأسيســي ومؤطِّر للدينامية التي يعمل على نحوها النظام السياســي، لكنه يفقد كثيرًا من فعاليته اإلجرائية إن ظل معزوًل عن حركة قوية في ساحة الفاعلين السياسيين، مدعومة بفئات ذات حضور نوعي وثقل اجتماعي وفكري وسياسي على السواء. إن نتائج االنتخابات الرئاســية أكدت تقاسم الزعامة بين تيار الليبرالية الجديدة الذي يجسده ماكرون والنزعة القومية المتشددة كما جسدتها لوبين. بعد الخسارة، دشَّنت أحزاب اليســار حركة لتوحيد الصفوف يراها البعض متأخرة، فض ًل عن أنها تواجه رفضًا من الداخل عبَّرت عنه قيادات عديدة لعل من أهم وجوهها الرئيس االشتراكي السابق، فرانسوا هوالند، ورئيس الوزراء السابق، برنارد كازنوف. مشكلة األطروحات التي يقدمها دومينيك روســو عدم جاهزية النخب القادرة على تنزيلها، لكنها فض ًل عن ذلك تشــوبها صعوبات عملية بالغة، خصوصًا على مســتوى فكرة توسيع نطاق الديمقراطيــة المباشــرة من خالل مســطرة برلمانية دامجة للمواطنين خالل مســار صناعة القوانين. فلئن كانت العملية السياســية تواجه انتقادات حادة بســبب التضخم البيروقراطــي وبطء التفاعل مع التغيرات الســريعة فــي المجتمع واالقتصاد واألمن وغيرها، ثمة تخوفات مشروعة من تغيير هذه البيروقراطية بأخرى أكثر تعطيًلً. عــدا ذلك، يبقى أن المقترحات المتعلقة بإعادة تموقع المنصب الرئاســي في دوره التحكيمي، وتكريس السلطة التنفيذية لرئيس الوزراء، وبإصالح الهيكل القضائي في اتجاه اســتقاللية أكبر، أكثر قابلية لإلنجاز في حال توافرت اإلرادة السياســية وتحقق التوافق من أجل وقف نزيف الشــرعية والفعالية في جسد النظام السياسي الفرنسي، ومن خالله العديد من األنظمة المماثلة في الشكل.. وفي العطب. ، يُقدِّم المؤلف دراســة حالة " ســت أطروحات من أجل الديمقراطية المســتمرة " في تنصــب كليًّا على النظام الفرنســي مع إحــاالت مقارنة قليلة على األوضاع في دول أخــرى، لكن الكتاب يظل زاخرًا بالدروس واآلليات النقدية التي يمكن اســتلهامها لتوسيع مجال الرؤية بخصوص مآزق النظام الديمقراطي في زمن العولمة.
Made with FlippingBook Online newsletter