101 |
مقدمة تشــهد البيئة الإقليميــة والدولية تزايدًًا في التحديات الأمنيــة، التي لم تعد مقتصرة على الصراعات العســكرية التقليدية، بل اتســعت لتشمل أبعادًًا مختلفة؛ ما أضعف من جدوى الأدوات الكلاسيكية للسياسة الخارجية في تحقيق الأمن الوطني، خاصة للدول الصغيرة والمتوســطة. وفي هذا الســياق، برز مفهوم الدبلوماسية الذكية إطارًًا إستراتيجيًًّا يعكس قدرة الدول على التفاعل مع المتغيرات المتسارعة للنظام الدولي، وتســتند الدبلوماســية الذكية إلى تنويع الأدوات الدبلوماسية، سواء الرسمية منها أو غير الرســمية؛ حيث أسهمت في إعادة تعريف أدوار الفاعلين، وتوسيع نطاق التأثير من خلال قنوات غير تقليدية، مثل الدبلوماســية الرقمية، والثقافية، والعامة؛ ما مك ََّن الدول من تحقيق مصالحها عبر مسارات متعددة، خاصة في ظل التنافس الجيوسياسي المتصاعد. وهنا، تتقاطع الدبلوماســية الذكية بشكل مباشــر مع مفهوم الأمن الوطني، الذي لم يعد محصورًًا في حماية الدولة من التهديدات العسكرية فقط، بل اتسع ليشمل أبعادًًا سياسية، واقتصادية، واجتماعية، وتكنولوجية. ومع تزايد الطابع المركب للتهديدات، برزت الدبلوماســية الذكية أداة وقائية واستباقية تُُسهم في تعزيز مناعة الدولة داخليًّّا، وتمكينهــا من إعــادة تموضعها إقليميًّّا ودوليًّّا، وتحقيق توازن إســتراتيجي يحد من مخاطر العزلة أو الاختراق الخارجي. ولقد أتاح هذا التداخل بين الدبلوماسية الذكية والأمن الوطني بناء علاقة وظيفية تقوم على تحييد التهديدات من خلال فتح قنوات الحوار، وتقديم الوســاطات، وتوظيف النفوذ لبناء بيئة إقليمية ودولية أكثر اســتقرارًًا، فهذا الامتزاج أدى إلى بروز نموذج دبلوماســي يعزز الشــرعية الدولية للدولة، ويوس ِِّع دائرة حلفائها وشركائها، بما يعزز قدرتها على المناورة والردع دون الاعتماد على الوسائل العسكرية. وفي الســياق القطري، شــك ََّلت الدبلوماســية الذكية أداة محورية في تعامل الدولة مــع الأزمــات والتحديات الإقليمية والدولية؛ حيث برزت وســيلة فع ََّالة لتعزيز أمن قطر الوطني وإعادة تشــكيل صورتها الخارجية، علــى الرغم من محدودية حجمها الجغرافي والديمغرافي؛ حيث استطاعت الدوحة عبر أدواتها المتنوعة، أن تبني نفوذًًا سياسيًّّا يتجاوز حجمها النسبي.
Made with FlippingBook Online newsletter