| 106
الدولة من إدارة التهديدات والتحديات بمرونة وفاعلية، دون الانخراط في مواجهات مباشرة قد تكون مكلفة أو غير متكافئة. ويُُبرز هذا التحول الحاجة إلى تحليل معمق للعلاقة التفاعلية بين الدبلوماســية الذكية والأمن الوطني، لاســيما في سياق الدول الصغيرة، كما تجسده التجربة القطرية. ولمزيد من التأصيل النظري لمفهوم الدبلوماسية الذكية، يمكن استدعاء مجموعة من النظريات والمفاهيم المعاصرة في العلاقات الدولية التي تســاعد على فهم خلفياتها وسياقاتها: نظريــة الاعتماد المتبــادل المركب: تؤكد هذه النظريــة أن العلاقات بين الدول لم تعــد قائمــة فقط على القوة العســكرية، بل على تعدد قنــوات الاتصال (الاقتصاد، التكنولوجيا، المنظمات غير الحكومية)، وهذا التعدد يتيح للدبلوماسية الذكية فرص ًًا .) 9 أكبر للحركة والمناورة وتعظيم النفوذ من دون تكلفة صدامية مباشرة( نظرية الحوكمة العالمية: تفترض هذه النظرية أن إدارة الشؤون الدولية أصبحت شبكة متعددة الفاعلين، تشــمل الدول والمنظمات الدولية والشــركات والمجتمع المدني، وفي هذا السياق تصبح الدبلوماسية الذكية استجابة طبيعية لهذا التعدد، لأنها تتعامل .) 10 مع بيئة معقدة يتقاسم فيها صنع القرار فاعلون رسميون وغير رسميين( نظريــة الشــبكات: تركز هــذه النظرية على أن العلاقات في النظــام الدولي لم تعد بين القوى " الربط الذكي " هرمية فقط، بل تتخذ شكل شبكات مرنة؛ ما يعزز أهمية والفاعلين، وهذا ينسجم مع طبيعة الدبلوماسية الذكية التي تقوم على استثمار الروابط .) 11 المتعددة، وتكييف إستراتيجيات التأثير وفقًًا لتوزع العلاقات( مفهوم الدبلوماسية العامة: يرى هذا المفهوم أن مخاطبة الشعوب مباشرة عبر الإعلام والثقافة والتعليم جزء أساســي من الممارســة الدبلوماسية الحديثة، وهو ما يجعلها ركيــزة مركزية للذكاء الدبلوماســي، إذ لم تعد الدبلوماســية محصورة في القنوات ا مباشرًًا مع الرأي العام لتعزيز الصورة والشرعية الرسمية، بل أصبحت تتضمن تواصلًا .) 12 الدولية للدولة( وبذلك، فإن الدبلوماســية الذكية هي مزج بين أدوات القوة كاستجابة نظرية وعملية لتحولات بنيوية في النظام الدولي، حيث تتفاعل الدول ضمن بيئة متعددة المستويات والفاعلين، بما يتطلب مقاربات أكثر مرونة وابتكارًًا.
Made with FlippingBook Online newsletter