العدد 28 - نوفمبر/تشرين الثاني 2025

13 |

مقدمة تتناول هذه الدراســة إستراتيجيات التوازن التي انتهجها الآباء المؤس ِِّسون لدولة قطر فــي علاقاتهم بكل من الإمبراطورية العثمانية والإمبراطورية البريطانية، لتجيب على إشــكاليتين، هما: ما طبيعة إستراتيجيات التوازن التي اتبعها الآباء المؤسسون لدولة قطر في علاقتهم بالعثمانيين والبريطانيين؟ وما المحدِِّدات الذاتية والموضوعية التي حكمت ســلوكهم السياســي لتحقيق هذ التوازن؟ والمقصود بالآباء المؤسسين هنا هم الحكام الثلاثة الأوائل لدولة قطر في المئة سنة الأولى من عمرها، وهم: الشيخ )، والشيخ 1913 - 1827 )، والشــيخ جاسم بن محمد ( 1878 - 1788 محمد بن ثاني ( .) 1957 - 1871 عبد الله بن جاسم ( كمــا أن المقصود بالتوازن هنا أمران، أولهما: التوازن الذاتي في علاقة هؤلاء القادة بكل من الإمبراطورية البريطانية والإمبراطورية العثمانية؛ حيث إن هذه العلاقة وفََّرت لقطر مظلة إســتراتيجية كانت في أمََس الحاجة إليها يوم كانت دولة جديدة وليدة، دون أن تتحول العلاقة إلى تبعية سلبية لأي من الدولتين العظميين. والثاني: التوازن الدقيق في التوفيق بين العلاقات بكل من الدولتين المتنافستين؛ بحيث استفاد حكام قطر من التناقض بينهما في تعزيز استقلال قرارهم، والمحافظة على سيادتهم. وتنتهج الدراســة المنهج التحليلي التاريخي المقارِِن لكشف جهود القادة الثلاثة في تحقيــق هذا التوازن، آخذة في الاعتبار المحد ِِّدات الموضوعية التي وج ََّهتْْهم، وهي: الســياق التاريخي، والقيــود الجغرافية، وموازين القوة، وحجــم الأخطار. مع إبراز العوامل الذاتية، ومنها البراعة القيادية، والقُُربََى الثقافية. وســيتََّضح من هذه الدراسة أن الآباء المؤسســين الذين تتناولهم هذه الدراســة كانوا مدركين -بحاس ََّتهم القيادية الفطرية- لأهمية شبه الجزيرة القطََرية للقوى الدولية، خصوص ًًا الإمبراطورية العثمانية ذات الحضــور التاريخي القديم فــي منطقة الجزيرة العربية والخليج، والإمبراطورية البريطانيــة المتوغلة في المنطقة من جهتي الهند ومصر. كما كانوا مدركين للإمكان المتــاح تحت أيديهم، وهو موقع قطر المتميز، فاســتثمروا في هذا الإمكان لتحقيق أعظــم المكاســب الممكنة لقطر وشــعبها، مــن خلال علاقات متوازنــة مع هاتين الإمبراطوريتين. وهذا أمر يصدُُق على عهد الشــيخ جاســم أكثر من غيره، لظروف وملابسات سنشرحها لاحقًًا.

Made with FlippingBook Online newsletter