| 162
مسلسل الاندماج المتوج بالمشاركة في حكومة التناوب، أو الأحزاب الجديدة التي وإن كانت تحافظ على خطاب يساري معارض إلا أنها لا تملك المقومات الضرورية الكفيلة بتمكينها داخل الساحة السياسية من موقع قوي. بيد أن الحديث عن اليسار المغربي بشكل خاص، يبقى رهينًًا بالوضعية التي أصبح يعيشــها بشكل عام على المستوى الدولي، لاســيما منذ سقوط جدار برلين وانهيار الاتحاد الســوفيتي؛ حيث تراجع الفكر الاشــتراكي في جل بقاع العالم أمام بروز ما س ـ ُِّمِي بأطروحات نهاية التاريخ التي تدفع بأن البشــرية وصلت مداها في التحولات � الاقتصادية والسياسية باستقرارها على النموذج الليبرالي الرأسمالي؛ باعتباره النموذج الأصلح الوحيد. وبالتالي فتراجع اليســار المغربي يأتي في سياق دولي أشمل يتسم بتراجع واضح للمنظومة الاشــتراكية بشــكل عام. وهو الأمر الذي دفع العديد من المفكرين إلى القيام بإعادة قراءة الإرث النظري الاشــتراكي على وجه الخصوص، ومحاولة إيجاد منزلة ثالثة بين منزلتي الاشــتراكية التقليدية والنيوليبرالية المتشــددة، الطريق الثالث: تجديد " مــن خلال كتابه " أنتوني جيدنز " أبرزهــم المفكر البريطاني ، الذي يعتبر مســاهمة في إعادة تشــكيل الفكر الاشــتراكي " الديمقراطية الاجتماعية التقليدي، بما يتلاءم مع تحديات العولمة وتغير الحياة الشخصية ومتطلبات الاقتصاد )، ذلك بدعوته إلى إدراك متغيرات العصر ومراجعة المواقع على خريطة 4 المعاصر( )، وهو ما لم تدركه في نظر 5 التطــور الاجتماعي، وإعــادة النظر في بعض الثوابت( جيدنز الأحزاب ذات التوجهات الاشتراكية؛ الأمر الذي كان سببًًا بارزًًا في تراجعها. في هذا السياق، يمكن القول: إن اليسار المغربي اليوم يواجه بمختلف أطيافه تراجعًًا ظاهرًًا لا جدال فيه، بالمقارنة مع الفترات الســابقة من مســار تطوره، والتي تمثلت أساس ًًا في النصف الثاني من القرن الماضي؛ حيث اتصف بكونه قوة سياسية معارضة تسعى لإقامة نظام سياسي ديمقراطي، مع ما عرفته المرحلة نفسها من توترات حادة ومحاولات وصلت حتى للســيطرة على الحكم بالقوة في بعض الأحيان. كما اتسم هذا المسار أيض ًًا بمجموعة من التراجعات والتنازلات التي قدمها اليسار في محطات ا. متعددة وصلت به إلى ما آل إليه في الوقت الحاضر، وهو ما سنتناوله تفصيلًا انطلاقًًا من هذا، يحاول هذا البحث اســتجلاء مظاهر وتجليات هذا الخفوت داخل النسق السياسي؛ وذلك من خلال رصد مختلف التحولات التي شهدها طيلة مساره،
Made with FlippingBook Online newsletter