19 |
من القبيلة إلى الدولة إن الدور العظيم الذي اضطلع به الشيخ جاسم بن محمد آل ثاني، حتى اشتهر بلقب ، لم يــأت من فراغ. فالتطورات الاجتماعية والسياســية في عهد والده " المؤســس " الشــيخ محمد بن ثاني مهدت الأرضية له، ولسياســات التوازن التي اتََّبعها. فحينما قاد الشيخ جاسم انتقال المجتمع القطري مما يشبه الكونفيدرالية القبلية الرخوة إلى كيان سياســي مُُوح ََّد القرار، ومحد ََّد المعالم، فإنه كان يبني على تراث والده الشــيخ محمد، وينمِِّي البذور التي بذرها. فقد شــهد مطلع القرن الثامن عشــر موجات هجرة من قلب الجزيرة العربية، ومنها هجرة القبائل التي استقرََّت في شبه جزيرة قطر. ومن نتائج الهجرة إلى قطر أن هذه القبائل انتقلت من حياة البداوة والترحل في الصحراء إلى حياة الاستقرار الحضري على الســواحل، بكل ما يحمله ذلك من أنماط عيش وأعراف سياســية غير مألوفة في الصحراء. وكان من آثار ذلك -كما لاحظت روزماري سعيد زحلان- أن رجال تفرغوا لحياة البحر، وهي نمط حياة يضمن " القبائــل البدوية التي انتقلت إلــى قطر عيش ًًا أفضل من حياة الرعي في الصحراء. وعلى مر السنين أصبحوا بح ََّارة متمرِِّسين، .) 17 ( " وصيادين مََهرََة. كما تكيََّفوا مع تجارة اللؤلؤ بكل مظاهرها ثم بدأ يتطور في قطر نظام للحكم يشبه الح ِِلف القبََلي الكونفيدرالي العريض، الذي يتأسس على الأعراف والهياكل القبلية، دون إدارة مركزية موح ََّدة القرار. فكان شيوخ القبائل يجمعون بين القرارات الإدارية والإجراءات القضائية، ويديرون شؤون قبائلهم بقدر كبير من الاستقلالية، في تداخل وتشابك بين استقلال القبيلة، واندماجها النسبي فــي الحلف العريض، وتبد ُُّل دائم لمراكز القوة والتأثير داخل هذه المنظومة المرنة. لكن الوعي بالهوية السياسية الواحدة كما تعرفه الدول المعاصرة لم يبدأ بشكل واضح إلا مع صعود الشيخ محمد بن ثاني إلى الصدارة، منتصف القرن التاسع عشر. وهنا بدأ الإحساس بالهوية الاجتماعية الجامعة يتبدل إلى إحساس بالكينونة السياسية برز الشيخ محمد بن ثاني شيخًًا حاكمًًا لكامل شبه الجزيرة " الواحدة، وذلك حينما ، كما لاحــظ حبيب الرحمن. وكان مــن أهم منجزات 1851 )، عــام 18 ( " القطريــة الشيخ محمد الدبلوماسية نجاحُُه في الحصول على اعتراف رسمي من الإمبراطورية البريطانية الصاعدة في المنطقة حينها، من خلال اتفاقية وقََّعها مع المندوب البريطاني
Made with FlippingBook Online newsletter