| 32
القول: إن الحضور العثماني شك ََّل مفارقة بالنسبة للشيخ جاسم، فهو كمسلم عميق الالتزام بدينه منح بيعته للعثمانيين عن طيب خاطر، واعترف بهم بوصفهم الســلطة العليــا التي تحكم الأمة الإسلامية. لكنه لم يكن يســمح لــولاة العثمانيين في نجد والبصرة بأن يتدخلوا أكثر من اللازم في شــؤون قطر، أو يجردوها من اســتقلالها الذاتي. وكان ولاء الشيخ جاسم للعثمانيين ولاء قويًًّا، لكنه كان مقيََّدًًا بالموج ِِّهات الخمسة التــي تحكمت في تفكيره، وهي: الاقتصار على الولاء الجزئي المشــروط لأي قوة خارجية، وتأكيد اســتقلال القرار، والتوازن في العلاقات بالقوى الدولية، والموازنة بيــن المخاطــر على قطر، والمرونة التكتيكية فــي التعاطي مع كل الأطراف. وبينما كانت السلطة المركزية في إسطنبول راضية عن التعامل مع الشيخ جاسم ضمن هذه - 1844 الصيغــة المرنة، يبدو أن والي العثمانيين على البصرة، حافظ محمد باشــا ( )، لم يقد ِِّر هذه الضوابط حق قدرها، وأهمها إصرار الشيخ جاسم على استقلال 1903 الإمارة " القرار في شأنه الداخلي، وعدم فرض ضرائب على مواطنيه، خصوص ًًا وأن )، كما أوضحه الشيخ أحمد 55 ( " كانت في فقر مدقع ولا قبل للسكان بدفع الضرائب )، شــقيق الشــيخ جاسم، للوالي حافظ باشا. فكانت معركة 1905 - 1853 بن محمد ( الدموية بين الطرفين نتيجة تهور وســوء تصرف من الوالي العثماني، دون " الوجبة " إرادة من الشيخ جاسم، أو من السلطة المركزية في اسطنبول. وخلاصــة مــا حدث، كما رواه عدد من المؤرخين، أن حافظ باشــا أصر على تغيير طبيعة العلاقات القديمة بين الشــيخ جاسم والعثمانيين، فقرر تأسيس دائرة جمارك، وفرض ضرائب على أهل قطر. ورفض الشــيخ جاســم ذلك، بناء على أن أهل قطر لا يملكون المال لدفع ضرائب للعثمانيين، والأهم من ذلك -في رأينا- أنه رأى في الأمر تجاوزًًا من جانب والي البصرة للعرف الســائد في تعامل الدولة العثمانية مع قطر وأهلها. ويبدو أن الإنجليز تعمََّدوا الإيقاع بين الوالي والشيخ جاسم بشكواهم للعثمانيين من الشيخ جاسم، واتهامهم له بالقرصنة البحرية. وقد أرادوا بذلك حشر الشيخ في الزاوية، وإبعاده عن العثمانيين، ودفعه إلى الدخول تحت الحماية البريطانية. وقد وقع الوالي العثماني في هذا الفخ، وتهو ََّر في تعامله مع الشــيخ جاســم، فسيََّر كتائب عسكرية إلى قطر بهدف اعتقال الشيخ جاسم ومحاكمته بتهمة عصيان الدولة.
Made with FlippingBook Online newsletter