حياتُنـــــــــــــا
71 شواطئ
103
102
Shawati’ 71
Hayatona – Our Life
ابتــكار مســاكن مســتدامة، ومتجــذّرة فــي الثقافــة، اسـتطاعت أن تصمـد أمـام اختبـارات الزمـن والبيئـة، جيــل بعــد جيــل. تؤمــن بيســيك أن كثيــرا مــن الحلــول التــي يســعى العالــم لتطويرهــا اليــوم بجهــود مضنيــة، موجــودة بالفعــل فــي صُلــب تلــك المعــارف الشــعبيّة، خاصــة لـدى المجتمعـات التـي ازدهـرت فـي البيئـات القاسـية. وهنـا، تعـود مـن جديـد إلـى الرمـز شـديد الدلالـة الـذي رافقهــا طيلــة المســار: شــجرة النّخيــل. فالنخلــة، فــي عينيهــا، ليســت مجــرّد تــراثٍ... بــل أســاس لفلســفة بنـاء مسـتقبليّة نابعـة مـن عمـق الصحـراء: مسـتدامة بطبيعتهــا، قليلــة اســتهلك الطاقــة، قابلــة للتحلّــل الحيــويّ، ومصمّمــة منــذ الأزل للتكيّــف مــع مناخــات الصحـراء. “لكـن حتـى نمنحهـا مسـتقبل جديـداً، كان لا بــد أن نبتكــر.” - تقــول بيســيك. حين تتعانق الطبيعة مع التكنولوجيا هــذه المــرّة، انبثــق الابتــكار مــن عالــم التكنولوجيــا الحيويّــة. لكــي يتأهّــل مشــروع “الموائــل الهجينــة” للمشـاركة فـي “تحـدّي التّصميـم البيولوجـيّ” - وهـي مســابقة عالميّــة رفيعــة المســتوى، تدعــو طــلّب الجامعــات لاستكشــاف التّقاطعــات بيــن البيولوجيــا والتصميــم - كان لا بــد مــن شــرط محــوريّ: إدمــاج كائــن حــي فعلــي ضمــن الحــل المعمــاريّ. ولقــد وقــع الاختيــار علــى كائــن فريــدٍ: البكتيريــا الورديّــة ، المعروفــة بلونهــا المميّــز، وقدرتهــا Kocuria rosea العاليــة علــى الالتصــاق. بدعــم مــن مختبــر ديتريــش فــي جامعــة كولومبيــا، شــرع الطــلّب فــي اســتزراع البكتيريــا، وتجريــب دمجهــا مــع مــواد حيويّــة عــادة مــا تُســتخدم فــي العمــارة. وســرعان مــا انضــم إلــى المشــروع الدكتــور لارس ديتريــش، الباحــث المتخصّــص فــي علــم الأحيـاء الدقيقـة ورئيـس المختبـر، ليصبـح المستشـار العلمــي الرئيســي لهــذا المشــروع الطمــوح. يصــف الدكتــور ديتريــش هــذه التجربــة قائــلً: “بوصفــي باحثــا فــي الميكروبيولوجيــا، لطالمــا شــدّتني ديناميكيّــات تواصــل البكتيريــا وتشــكيلها لمجتمعــات متكاملــة. لكــن هــذه التجربــة مــع فريــق التصميـم بقيـادة سـاندرا بيسـيك، كانـت مثيـرة بحـقّ. لقــد فتحــت عينــي علــى الإمكانيّــات الهائلــة التــي يولّدهــا التّــزاوج بيــن العلــم والفــنّ، حيــن تتحــوّل الجماليــات البصريّــة اللفتــة إلــى حلــول ذات أثــر بيئــي واجتماعــي ملمــوس.” نتجــت عــن هــذه التجربــة مركّبــات هجينــة مؤلّفــة مــن: أليــاف النخيــل، والمايســيليوم (الجــذر الخيطــي للفطريّــات)، والبكتيريــا. تحمــل هــذه المركّبــات خصائــص اســتثنائيّة، مــن بينهــا: عكــس الحــرارة والتقليــل مــن امتصاصهــا، وقــدرة ترميــم نفســها ذاتيّــا دون تدخــل بشــري، وقابليّــة التحلّــل بيولوجيّــا بالكامــل، دون أن تُخلّــف أي أثــر ضــار علــى البيئــة. كل تلـك الخصائـص تجعـل مـن هـذه المركّبـات بدائـل حيويّــة ومتجــدّدة للمــواد الإنشــائيّة التقليديّــة. تصاميم تتجاوز حدود الأقاليم البيئيّة قــرّر طــلب اســتوديو “الموائــل الهجينــة” أن يخطّــوا طريقــا مختلفــاً. فلــم يكتفــوا بتطويــر نمــوذج أولــي ٍ وحيــد، بــل انقســموا إلــى أربعــة مســارات بحثيّــة
على التكيّف، وارتباط المادّة بجذور الهويّــــــة الثقافيّــــــة. التقــــدّم في علم الأحياء الدقيقة يفتح لنا آفاقا غير مسبوقة في استخدام المواد الطبيعيّة وتحسين خصائصها، لكن هذا التقدّم العلمي سيظل محدود الأثر، وقد لا يُجدي نفعاً، ما لم نُعِد إدماج هذه المواد في الدورة الاقتصاديّة.” غيـر أن الواقـع اليـوم يرسـم صـورة قاتمـةً. فالشـبكات التـي كانـت يومـا تغـذّي صناعـات مـواد النخيـل، باتـت علـى شـفير الاندثـار. ففـي دولـة الإمـارات، بـدأت تلـك ، ولــم 1971 السلســل تتفــكّك تدريجيّــا منــذ عــام تسـتعد عافيتهـا منـذ ذلـك الحيـن. تتحـدّث بيسـيك عـن ذلـك بقولهـا: “لقـد كانـت هنـاك، ذات يـومٍ، منظومـة توريـد نابضـة بالحيـاة، تمتـد مـن حتّـا إلـى دُبـيّ، ومـن رأس الخيمـة إلـى السـاحل. كل
natural materials. But for any of this to matter, we must ensure these materials are brought back into economic circulation.” Today, the supply chains that once supported palm-based materials are on the verge of ex- tinction. In the UAE, for example, they have steadily declined since 1971. “There used to be a thriving supply chain, from Hatta to Dubai, from Ras Al Khaimah to the coastal areas. All of that is gone now. If we’re going to build a sustainable future, we need to reactivate these systems and make them viable again - both technologically and economically,” says Piesik. A MATERIAL WITH MEMORY The origin of Hybrid Habitats is as much cultural as it is scientific. Piesik, the author of Habitat:
Hybrid Habitats’ vision is to create micro-industries that generate employment opportunities also for women in sparsely populated desert areas. Here, the Form-Finding BioHue team - Bhavya Manish Prajapati, Mithila Sunil Patil, and Falguni Sakpal - take this journey to the next level with DNA testing at the Dietrich Lab, Columbia University. © Dr Sandra Piesik
أوروبيّـة. لفـت الحـدث أنظـار لـوكاس ديتريـش، ، الـذي Thames & Hudson المديـر التحريـري فـي دعانـي لتأليـف كتـاب موسـوعي عـن العمـارة الشـعبيّة حـول العالـم.” لكـن بيسـيك قبلـت الدعـوة بشـروطها: “وافقـت بشـرط واحـدٍ: أن نتنـاول العمـارة من منظور المناطـق المناخيّـة. لـم أرد عـرض الأبنيـة فقـط، بـل الكشـف عـن كيفيّـة تكيّـف الإنسـان مـع مناخاتـه المحليّـة، وكيـف طـوّع المـوارد المتاحـة لصنع مسـاكن تسـتجيب بـذكاء للبيئـة المحيطـة.” وكان ذلـك الشّــرط بدايـة تحـوّل جـذري فـي مقاربتهـا، وتشــرح بيســيك: “بعــد ثمانــي ســنوات مــن العيــش والعمـل فـي دولـة الإمـارات، أدركـت أن المنـاخ ليـس خلفيّــة صامتــة للعمــارة... بــل هــو بطلهــا الخفــيّ. هــو الــذي يقــرّر المــواد التــي نختارهــا، والهيــاكل التــي نبنيهــا، بــل وأنمــاط الحيــاة التــي نحياهــا. وهكــذا، الموئــل: تبنّــى الناشــر هــذه الرؤيــة، وخــرج كتــاب “ إلـى النـور العمـارة المحليّــة مـن أجـل كوكـب متغيّــر” ، حامـل أطلسـا إنسـانيّا للعمـارة التقليديّــة، 2017 عـام مصنّفــة وفــق المناطــق المناخيّــة الحيويّــة.” ، 2024 الكتــاب، الــذي صــدر بطبعــة ثانيــة فــي عــام يســتند إلــى مســاهمات نخبــة مــن أبــرز الباحثيــن المتخصّصيــن فــي مجــال العمــارة التقليديّــة. ويضــم أكثــر مــن ألــف رســم توضيحــي ودراســة دولــة، ويحتفــي فــي حالــة تغطّــي أكثــر مــن ثمانيــن فصولــه المختلفــة بعبقريّــة المجتمعــات المحليّــة فــي
ذلـك انتهـى الآن. وإذا كنّـا جادّيـن فعـل فـي بنـاء مسـتقبل مسـتدامٍ، فعلينا أن نُنعش هذه الشـبكات، ونجعلهـا فعّالـة مـرة أخـرى - لا مـن الناحيـة التقنيّـة فقـط، بـل مـن الناحيـة الاقتصاديّـة أيضـاً.” مادة تَحفظ الذّاكرة ليسـت الجـذور التـي نبـت منهـا مشـروع “الموائـل الهجينـــة” علميّـــة بحتـــة، بـــل هـــي ثقافيّـــة بالقـــدر ذاتـــه. فالمعماريّـــة والباحثـــة ســـاندرا بيســـيك، الموئـــل: العمـــارة مؤلّفـــة الكتـــاب المرجعـــي “ ، الـذي صـدر عـن المحليّــة مـن أجـل كوكـب متغيّــر” ، كرّســـت 2017 عـــام Thames & Hudson دار أكثـــر مـــن عقديـــن مـــن عمرهـــا لدراســـة تقنيّـــات البنـــاء التقليديّـــة عبـــر أقاليـــم مناخيّـــة متباينـــة حـــول العالـــم. لطالمـــا كانـــت بيســـيك مـــن أبـــرز الأصـــوات الداعيـــة إلـــى إحيـــاء عمـــارة “العريـــش” - التـــي تعتمـــد علـــى ســـعف النخيـــل وتتماهـــى مـــع منـــاخ الصحـــراء. ولـــم يكـــن ذلـــك مجـــرّد رأي 2012 شـــخصيّ، بـــل مشـــروع حيـــاة وثّقتـــه عـــام بإصـــدار أحـــد أشـــمل المراجـــع فـــي هـــذا المجـــال، “العريـــش: العمـــارة بســـعف النخيـــل.” وهـــو كتـــاب وتسـتعيد بيسـيك تلـك اللّحظـة الفارقـة قائلـةً: العريـش: العمـارة بسـعف “بعـد نشـر كتـاب “ فـي لنـدن، نظّمنـا معرضـا فـي الجمعيّـة النخيـل” الجغرافيّـة الملكيّـة، وكانـت تلـك المـرّة الأولى التي تُقـدَّم فيهـا عمـارة النخيـل الإماراتيّـة علـى منصّـة
Vernacular Architecture for a Changing Planet [Thames & Hudson, 2017], has spent more than two decades studying indig- enous construction methods across dif- ferent bioregions. She has been a vo- cal advocate for reviving “Arish” - tradi- tional palm-leaf architecture - and au- thored one of the most comprehensive overviews of the practice in 2012. “After we published Arish: Palm-Leaf Ar- chitecture in London, we hosted an ex- hibition at the Royal Geographical Society - the first time the traditional date-palm architecture of the UAE was showcased in Europe,” Piesik recalls. “Following that, I was invited by Lu- cas Dietrich, the editorial director at Thames & Hudson, to write a book on vernacular architecture from around the world. I agreed, but under one condition: that we approach the sub- ject through the lens of climate zones. I wanted us to document how human habitats have evolved in response to specific environmental conditions across the planet.” “By then, after spending seven years living and working in the UAE, it had become clear to me that climate is
[T] The Museum of Modern Art [MoMA] in New York provided a unique backdrop for engaging with adaptations of traditional technologies, featuring Dr Sandra Piesik with the Form-Finding BioHue team. [B] Hybrid Habitats graduates presenting at the Biodesign Challenge at Parsons - from left to right: Aysin Bahar Sahin, Anand P Popat, Ren Henniger, Alara Ata, and Andreas Palfinger. © Dr Sandra Piesik
Made with FlippingBook Digital Proposal Creator