Shawati' Issue 71

المجلس

71 شواطئ

59

58

Shawati’ 71

Al Majlis - Forums of Exchange

التقاليــد الفلســطينيّة، قــد يُســتخدم الشّــاي والكركديــه ليكتســب اللّــون حمــرة زاهيــة، بينمــا فــي قطــر، يُفضّــل اســتخدام مســحوق الكركــم، وأوراق الكركديــه، واللّيمــون المجفّــف، والبابونــج. أمّــا فــي الكويــت والسّــودان، فيتجــاور الكركديــه ومعجــون الميســو، والشّــاي، والقهــوة فــي مزيــج يُحقّــق التّــوازن بيــن الروائــح الترابيّــة والعطريّــة الأخّــاذة. إن هــذا التنــوّع الفريــد خيــر برهــان علــى أن كل خلطــة ليســت مجــرّد وصفــة، بــل هــي فــي جوهرهــا، انعــكاس غنــي لطبيعــة المــكان وتراثــه وإرثــه الإبداعــيّ. وأصــول الحنّــاء نفســها يصعــب تتبّعهــا بدقّــة، إلا أن الدلائـل التاريخيّــة تشـير إلـى أن اســتخدامها يعــود إلــى آلاف السّــنين. ففـي كتابهـا “سـر الحنـّـاء الخفـيّ: التاريـخ، Henna’s Secret والغمـوض، والفلكلـور” ( History: The History, Mystery and )، تُشــير الدكتــورة Folklore of Henna مــاري أناكــي ميتشــاك - الحاصلــة علــى شــهادتي دكتــوراة فــي علــوم الأغذيــة العلاجيّــة والتغذيــة - إلــى أن الملكــة كليوباتــرا السّــابعة كانــت شــديدة الولــع بالحنّــاء. فبالإضافــة إلــى اســتخدامها فــي )، وهــو عطــر Cyprinum الســايبرينوم ( يعتمـد علـى الحنّــاء، ولصبـغ شـعرها، كانـت الملكــة تفضّــل مســتحضرا فاخــرا يُعــرف ،) Aegyptium باســم “إيجيبتيــوم” ( وهــو مزيــج مــن الحنّــاء والزّيــت الفاخــر والعســل والقرفــة وزهــر النّارنــج المقطَّــر مــن أزهــار البرتقــال. وتُــروى حكايــة محبّبــة إلــى قلــوب المغاربــة، عــن ابنــة كليوباتـرا، “كليوباتـرا سـيلين”، التـي يعنـي اســمها “القمــر”، والتــي تزوّجــت مــن ملــك المغـرب جوبـا الثانـي. وقبـل زفافهـا، يُقـال إنهــا احتفلــت بـ“ليلــة الحنّــاء” المغربيّــة التقليديّــة، فامتزجــت ســيرتها بقصــص المغــرب وأســاطيره المتعلّقــة بالحنّــاء. ويحمــل التاريــخ المصــري القديــم بــدوره شــهادات مدهشــة عــن الحنّــاء. فالأميــرة “أحمــس حنــوت تمحــو”، التــي أصبحــت فيمـا بعـد ملكـة مـن الأسـرة الثامنـة عشـرة فـي مصـر، لا تـزال تحمل أثـر الحنّاء علامة للجمـال فـي الخلـود. فعلـى موميائهـا التـي عــام، لا يــزال 3500 يعــود عمرهــا إلــى شــعرها عنــد الصّدغيــن يتوهّــج بلــون أحمــر دافــئ وعميــق، يبــدو أنّــه نتــاج ذات معجــون الحنّــاء الــذي نعهــده، ولا يــزال محــط تقديــر حتــى يومنــا هــذا. يُشــير المؤرّخــون أيضــا إلــى أن الملكــة نفرتيتــي كانــت تســتخدم الحنّــاء لتزييــن يديهــا وقدميهــا، بينمــا كشــفت موميــاء الفرعــون رمســيس الثانــي، أحــد أبــرز ملــوك مصــر، عـن شـعر مصبـوغ بالحنّــاء، وقـد احتفظـت خصلاتــه الحمــراء بلونهــا بشــكل ملحــوظ عبــر عمليّــة التّحنيــط.

[L-R] A bowl of henna powder. © Alamy Stock Photo. Henna comes from the Little flowers of Lawsonia Inermis. © Flickr

،)The Floral Gift, from Nature and the Heart ( وهـو مختـارات شـعريّة عـن الزهـور تعـود إلـى القـرن التاســع عشــر، تُقــرن المحــرّرة مــاري تشونســي كل زهـرة بمعنـى رمـزيّ. وفـي قسـم بعنـوان “مينيونيـت - نبتــة ســنويّة فوّاحــة العطــر مــن مصــر”، تكشــف تشونســي أن زهــرة الحنّــاء - أو “مينيونيــت” كمــا كانــت تُســمّى فــي العصــر الفيكتــوريّ- ترمــز إلــى “الجمــال الأخلاقــي والعقلــيّ”، فــي إشــارة واضحــة إلـى نبـات الحنّــاء. كمـا تتغنّــى القصيـدة التـي خطّتهـا الشّــاعرة الســيّدة إتــش. جيــه. وودمــان، بالحنّــاء، وتقرنهــا بشــكل رائــع بالمعنــى الرمــزي للجمــال، لأنّهــا تحمـل دومـا جمـالا يتجـاوز المظهـر الخارجـيّ، وقيمـة ٍترتبــط بالمعنــى والعاطفــة التــي تحملهــا: “ليس الجمال في مقلة برّاقة ولا في خد مشتعل الحمرة، أو جبين وضّاح ولا يحتكــره قــد ممشــوقٌ، أو تنســجه ضفائــر مــن حريــر مُنســاب ولا يخبّئ أسراره صوت رخيم ينسكب في الأذن عذبا كالندى. كلا، لن تجده هناك. ًإنّمــا فــي جمــال الــرّوح، ونظــرة تشــع دفئــا وتفيــض مــودّة في همسة حب وابتسامة جذلة ّتُذيب عن الفؤاد الألم، وتعيد لنبضه الحياة الجمال الحقيقي يسكن أعماق النّفس بوقار وسمو أرق من لحن موسيقيّ، وأصفى من حلم ورديّ.” ومــع بــزوغ العصــر الإســلاميّ، ازدهــر حضــور الحنّــاء بشــكل لافــتٍ، وازدان بمكانــة رفيعــة، خاصّـــــــة فــي

ويـزداد حضـور الحنّـاء تجلّيـا حيـن نفتـح صفحـات التاريـخ الطبّـي لمصـر القديمـة. ففـي مدينـة طيبـة المصريّـة، تُعتبـر “برديّـة إيبـرس”، التـي كُتبـت حوالي قبـل الميـلاد، واحـدة مـن أقـدم الوثائـق 1550 عـام الطبّيـة وأكثرهـا شـمولا فـي تاريـخ البشـريّة. هـي وصفـة طبيّـة، 876 بمثابـة موسـوعة ضخمـة تضـم ومداخـل خاصّـة بالصّيدلـة، بالإضافـة إلـى تركيبـات 400 ابتكرهـا أطبّـاء ذلـك العصـر. ووسـط قائمـة تضـم نبتـة ومعـدن ومكـوّن مشـتق مـن الحيوانـات، تحتـل الحنّـاء مكانـة مرموقـة كمـورد طبـي قيّـم، وهنـاك دلائل تشـير إلى اسـتخدامها في علاج أمراض الجلد. ولـم تكـن مصـر وحدهـا شـاهدة علـى حضـور الحنّــاء فـــي الحيـــاة اليوميّـــة؛ فالرّومـــان أحبّـــوا الحنّـــاء وقدّروهـــا كثيـــراً، خصوصـــا فـــي صبـــغ الشّـــعر، وهـــي عـــادة مـــا زالــــــــت مســـتمرّة عبـــــر ثقافــــــــــات شتّــــــــــى حتـــى يومنـــا هـــذا. وتُظهـــر الكتابـــات الكلاســـيكيّة لعـــدد مـــن كبـــار المؤلّفيـــن الإغريـــق والرّومـــان، أن أحـــد أثمـــن المنتجـــات المشـــتقّة مـــن الحنّـــاء كان ، أشـــار عالـــم 1730 زيتهـــا العطـــري الفريـــد. فـــي عـــام اللاّهـــوت جـــون غيـــل إلـــى أن الحنّـــاء كانـــت مصـــدرا لتحضيـــر “زيـــت ممتـــاز، ومنـــه أُعـــد مرهـــم ممـــزوج بمكوّنـــات أخـــرى”، وهـــو مـــا أطلـــق عليـــه المـــؤرّخ الطبيعـــي الرّومانـــي “بلينـــي الأكبـــر” اســـم “المرهـــم الملكـــيّ”، فـــي إشـــارة إلـــى مكانتـــه الرفيعـــة وقيمتـــه الاســـتثنائيّة فـــي ثقافتهـــم. وتتعمّــق الدكتــورة ميتشــاك فــي جماليّــات التاريــخ الثقافــي للحنّــاء، كاشــفة عــن حضورهــا فــي نســيج واســع مــن الحضــارات. ففــي أوروبّــا، وتحديــدا فــي فرنســا، عُرفــت الحنّــاء أيضــا بالاســم الشــعري )، وهــو مصطلــح يتــردّد mignonette “مينيونيــت” ( صــــــداه كثيــــرا فــي أشعـــــار القـــــرن التاســـــــع عشــــر. وفـي كتابهـــــا “هبـــــــة الأزهـار، مـن الطبيعــــــة والقلـب”

Written around 1550 BCE in Thebes, Egypt, the “Ebers Papyrus” is one of the oldest and most comprehensive medical documents in history - a vast compendium of 876 remedies, phar- macopoeia entries, and physicians’ for- mulas. Among the 400 plants, min- erals, and animal-derived ingredients recorded, henna holds its place as a valued medicinal resource, including treatment for skin ailments. The Romans, too, prized henna for col- ouring hair, a practice that continues across cultures. Classical writings by prominent Greek and Roman authors reveal that one of the most prized products derived from henna was its aromatic oil. In 1730, theologian John Gill noted that “an excellent oil was made out of it [henna], and of this with other things was made an oint- ment,” which the Roman naturalist Pliny the Elder famously referred to as the “royal ointment”. Dr Miczak further delves into the beau- tiful cultural history of henna across a tapestry of cultures. In Europe, par- ticularly in France, henna has also been known by the poetic name mi- gnonette , a term that appears frequent- ly in 19 th -century verse. In “The Floral Gift, from Nature and the Heart”, a 19 th -century anthology of floral poetry edited by Mary Chauncey, each flow- er is paired with a symbolic meaning. In the section titled “Mignonette – A Very Fragrant Annual from Egypt”, Chauncey reveals that, in the Victorian

Dr Azra Khamissa has created a henna subculture that has inspired artists across the globe to approach the age-old art with a fresh set of eyes. © Dr Azra Khamissa

لتزيّنــه بــكل مــا فيهــا مــن عطــور وبهــارات وأســرار. ففــي الأردن ومصــر والسّــودان والجزائــر، قــد تُضــاف إلــى المزيــج قشــور اللّيمــون المجفّــف، وأوراق الكركديــه، وسـرخس الهليـون، والبـنّ، وأوراق السّــدر، وقشــور الرمّــان، والشّــاي، والمســك، فتتشـكّل خلطـة غنيّــة تعطـي اللّــون عمقـاً، والرائحــة عبقــاً. وفــي تونــس والجزائــر والمغــرب وموريتانيــا، يتعانــق الشّــاي مــع القرنفــل وزهــر البرتقــال، ليمنحهــا لمســة دافئـة بعبـق الحمضيّــات والزّهـور. أمّــا فـي العــراق وفلســطين واليمــن، فيتصــدّر مــاء الـورد المكوّنـات، إلـى جانـب قشـور الرمّــان واللّيمــون، لتضفــي علــى اللّــون النهائــي إشــراقا ونضــارة. وفــي عُمــان، يُضــاف زيــت الزيتــون أو القرنفــل المطحــون ليمنــح المزيــج غنــى فريــداً. وفــي بعــض

cinnamon, and neroli distilled from orange blossoms. One tale, perhaps cherished most by Moroccans, tells of Cleopatra’s daughter, Cleopatra Selene, her name mean- ing “moon”, who wed King Juba II of Morocco. Before her wedding, she is said to have celebrated a traditional Mo- roccan “Night of Henna”, weaving Cleopatra Selene into Morocco’s legends. Ahmose-Henuttamehu, princess and later queen of Egypt’s 18 th Dynasty, carries henna’s mark of beau- ty into eternity. On her 3,500-year-old mummy, the hair at her temples still gleams a deep, warm red, a beauty achieved, it seems, with the same henna paste cherished to this day. Historians also claim that henna was used by Queen Nefertiti to embellish her hands and feet, while hair of Ramses II, one of Egypt’s prominent pharaohs, was found to have been dyed with henna, its reddish tones remarkably preserved through the process of mummification.

Made with FlippingBook Digital Proposal Creator