المجلس
71 شواطئ
65
64
Shawati’ 71
Al Majlis - Forums of Exchange
الرحلــة. وفــي المغــرب، يُســتقبل الحجّــاج العائــدون بالحنّــاء؛ فتُرســم النّقــوش علــى أيديهــم، وتُعــرض بفخــر خــلال التجمّعــات التــي تلــي رحلــة الحــجّ، لتظــل الحنّــاء هنــا جســرا يربــط هــذا الطّقــس بالبهجــة والقدســيّة والاحتفــال. حتــى فــي لحظــات الحــزن، للحنّــاء حضورهــا. ففــي موريتانيــا والمغــرب وتونـس، تضـع الأرملـة الحنّــاء علـى يديهـا، كإعــلان لانتهــاء فتــرة الحــداد، وإشــارة إلــى طــي صفحــة وبــدء فصــل جديــد فــي حياتهــا. هكــذا تغــدو الحنّــاء لســانا رمزيّــاً، يعبّــر فـي كل مقـام بمفرداتـه الخاصّــة عـن الجمـال، والبركـة، والانتمـاء، لتكـون تقليـدا عابــرا للزمــن، خالــدا كالأثــر الــذي تتركــه علـى البشـرة، وشـاهدا علـى صلـة الإنسـان بالحيــاة، فــي أفراحهــا وأتراحهــا. تُعـــد الحنـــاء أيضـــا هبـــة ثمينـــة تُقـــدَّم فـــي مناســـبات الحيـــاة الكبـــرى؛ كالـــزواج، والحـجّ، والـولادة، أو عنـد زيـارة المقامـات المقدّســـة. ففـــي موريتانيـــا، ترمـــز الحنّـــاء إلـى التفـوّق الأكاديمـي والروحانـيّ، حيـث تُوضــع علــى يــد الطالــب اليُمنــى الــذي أتــم حفـــظ القـــرآن، تكريمـــا لإنجـــازه العظيـــم. وفـــي الإمـــارات، كانـــت تُســـتخدم الحنّـــاء فــي الماضــي للترحيــب بعــودة الغوّاصيــن مـن البحـر؛ إذ كانـت النسـاء يُزيّــن أيديهـن فـــي انتظـــار عـــودة أزواجهـــنّ، لتكـــون علامـــة فـــرح باللقـــاء بعـــد الغيـــاب، ورمـــزا لِلوَفـــاء والصبـــر . فـــي زمننـــا الحاضـــر، غـــدت الحنّـــاء فنّـــا عابـــرا للحـــدود، يســـتلهم التـــراث بأســـاليب جديـدة تتماهـى مـع روح العصـر. ففنّانـات ومحبّـــات الحنّـــاء اليـــوم يمزجـــن الأنمـــاط التقليديّـــة بصيـــغ مبتكـــرة، فتولـــد زخـــارف جديـــدة تخطـــف الأنفـــاس. تغلـــب علـــى الـــذوق المعاصـــر نزعـــة إلـــى البســـاطة والتفاصيــل الدقيقــة؛ فنــرى نقوشــا رفيعــة تُزيّـــن المعصــــــــم، أو الكاحـــل، أو حتـــى نقوشـــا مرحـــة كالنوتـــات الموســـيقيّة، والكلمـــات المفضّلـــة، والشـــرائط المعقـــودة علـــى شـــكل فراشـــة. بهـــذا المعنـــى، أصبحـــت الحنّـــاء شـــكلا مـــن أشـــكال الفـــن القابـــل للارتـــداء، تســـتوحي إلهامهـــا مـــن مجموعـــة واســـعة مـــن الأفـــكار، بـــل إن بعـــض فنّانـــات الحنّـــاء يصمّمـــن منهـــا “قفّــازات مـن الدانتيـل” أو زخـارف دقيقـة تُحاكـــي الإكسســـوارات العصريّـــة. كمــا تُزهــر رســومات الحنّــاء الضاربــة فــي عمــق القــرون مــن جديــد علــى أيــدي الفنّانيــن والمصمّميــن وصنّــاع المحتــوى عبــر وســائل التواصــل، فــي العالــم العربــي وخارجــه. وقــد اكتســبت هــذه النهضــة المعاصــرة للحنّــاء مكانــة خاصــة فــي عــام ، حيــن أدرجتهــا منظّمــة اليونســكو 2024 فــي قائمتهــا التمثيليّــة للتــراث الثقافــي
غيــر المــادي للإنســانيّة. جــاء هــذا الإدراج ثمـرة جهـد جماعـي شـاركت فيـه: الإمـارات العربيــة المتحــدة، الجزائــر، البحريــن، مصـر، العـراق، الأردن، الكويـت، موريتانيـا، المغــرب، ســلطنة عُمــان، دولــة فلســطين، قطــر، الســعودية، الســودان، تونــس، واليمـن. وكان بمثابـة تكريم لجذور الحنّاء العميقـة، وعهـد جماعـي بالمحافظـة عليهـا وصونهــا لأجيــال القادمــة. وبعيــدا عــن عالــم الجمــال والبشــرة، يمتــد تأثيــر الحنّــاء إلــى مشــهد الفــن والتصميــم المســتوحى مــن الثقافــة العربيّــة. فعلــى ســبيل المثــال، باتــت نقوشــها الدقيقــة، التــي وُلــدت علــى الأكــف والأنامــل، تظهــر فـي ديكـورات المنـازل؛ بـدءا مـن الوسـائد المنقوشـة، وأوراق الجـدران، ووصـولا إلـى أطقــم المائــدة. كمــا غــزت عالــم التصميــم الغرافيكـي الحديـث، حيـث تُزيّــن رموزهـا الشــعارات والرســوم الرقميّــة. وتُعيــد دور الأزيــاء فــي أرجــاء المنطقــة تقديــم هــذه النقــوش فــي التطريــزات وطبعــات الأقمشــة؛ فقــد يُحــوّل مصمّــم أزيــاءٍ، علــى ســبيل المثــال، زهــور نقــش حنّــاء تقليــدي إلــى زخــارف متألئــة مــن خيــوط ذهبيّــة تُطــرّز علــى فســتان ســهرة. بـدأت الأوسـاط الفنيّــة أيضـا فـي الارتقـاء بالحنّــاء مــن زينــة شــعبيّة إلــى فــن راقٍ. فاتّخذتهـا بعـض الهيئـات الفنيّــة موضوعـا لاسـتحضار ذاكـرة العـرب وتاريخهـم. علـى Riyad.ai ســبيل المثــال، يكــرّس موقــع جهــوده لإحيــاء الثقافــة العربيّــة الغنيّــة عبـر الفـنّ. تُجسّــد إحـدى اللّوحـات البـارزة فيــه، وتحمــل عنــوان “حفــل الحنّــاء”، سـاحة فنـاء تغمرهـا أشـعّة الشـمس، حيـث تُزيّــن النســاء بعضهــن البعــض بنقــوش حنّــاء جميلـة. تُظهـر اللّوحـة، التـي رُسـمت بأســلوب حميمــي يُذكّــر بأســلوب الفنّــان الفرنســي رينــوار، وبألــوان ترابيّــة دافئــة مــن الأحمــر والبرتقالــي والبنــيّ، الجمــال البصــري الكامــن فــي هــذا التقليــد. وتكــرّم اللوحــة عُمــق الروابــط الإنســانيّة والتــراث المشــترك بيــن أجيــال مــن النســاء. واليــوم، ينهــض جيــل جديــد مــن فنّانــات الحنّــاء ليُعيـد تعريـف هـذا التّقليـد العريـق لجمهــور العصــر. وقــد كانــت وســائل التواصــل الاجتماعــي بمثابــة المســرح الكبيــر الــذي دفــع بهــذه النهضــة إلــى الواجهــة. منصّــات مثــل إنســتغرام، وتيــك تــوك، وبينتريســت، غــدت معــارض فنيّــة نابضــة، تعــرض إبداعــات الحنّــاء أمــام جمهـور عالمـيّ، وتحـوّل الكـف والقـدم إلـى لوحــة متحرّكــة تُبهــر المتابعيــن. مقاطــع الفيديــو التــي توثّــق خطــوات الرســم، والــدروس التعليميّــة التــي تكشــف أســرار الصنعــة، حوّلــت الحنّــاء إلــى إكسســوار مرغــوب فــي المناســبات، ورمــز لأناقــة العصريّــة. ومــع هــذا الانفتــاح الرقمــيّ،
Travellers visiting the UAE can get beautiful henna patterns while visiting the emirate’s heritage villages. © DCT - Abu Dhabi
The history of a tradition that dates back thousands of years, henna having emerged as a way to celebrate festive occasions. © Dr Azra Khamissa
فيرســمن النّقــوش علــى أكفّهــنّ، يضحكــن، ويتبادلــن الأحاديــث، ويرسّــخن الذّكريــات بينمــا تجــف الحنّــاء ببــطء لتتحــوّل إلــى قطعــة فنّيــة جميلــة. مــع فســتان العــروس الطّويــل المنســدل، وتفاصيلــه المطــرّزة يدويّــا بزخــارف تتــألأ كالنجــوم، تلتقــي درجـات الحنّــاء الدافئـة مـع خيـوط الحريـر المضيئــة، فتغــدو بشــرتها لوحــة حيّــة، تُنســج عليهــا حكايــات الجمــال والبركــة والتقاليــد، وتصبــح الزّينــة المثاليّــة لترســيخ ذكريــات لا يطالهــا النّســيان. ولا تقتصـر الحنّـاء علـى محطّـات العمـر الكبـرى، بـل هـي جـزء مـن زينـة الحيـاة اليوميّـة وأفراحهـا المتكـرّرة. فهـي تزدهـر فـي ليالـي رمضـان، وتزهـو فـي احتفـال “القرقيعـان” - ليلـة النّصـف مـن شـعبان - فـي الكويـت، والإمارات، وقطر، والبحرين، والسـعوديّة. حتـى الحيوانـات كان لهـا نصيـب مـن بركـة الحنّـاء؛ ففـي الكويـت، والإمـارات، والسـعوديّة، وعُمـان، والأردن، وقطــــــــر، تُستخــــــــــدم الحنّــــــــاء لتبريــــــــد حوافــــر الخيــــــل قبـــــــل السّباقــــــات. وفــــي
الكويـت أيضـاً، يكتسـب حضورهـا بُعـدا وطنيّـاً، إذ تُزيّـن احتفـالات اليـوم الوطنـيّ، فالعائـلات علـى اختـلاف أعمـار أفرادهـا تتزيّـن برسـومات الحنـاء، في حين تقدّمها المراكـز التجاريّـة مجّانـاً. وتحجــز الحنّــاء لنفســها مكانــة خاصّــة فــي تقاليــد الاحتفــال بالأعيــاد الإســلاميّة. فــي ليلــة العيــد، تتزيّــن النســاء والفتيــات فــي جميــع أنحــاء العالــم العربــي بنقــوش علــى الأكــفّ، كجــزء مــن طقــس الفــرح والاســتعداد لليــوم الموعــود، وتبقــى صالونــات الجمــال مفتوحــة حتــى وقــت متأخّــر مــن الليــل، فيمــا تنشــغل الأمّهــات فـي البيـوت برسـم زهـور أو نقـاط بسـيطة فــي منتصــف راحــة بناتهــنّ. فــي بعــض مناطــق شــمال إفريقيــا، يمتــد الأثــر إلــى الأضحيــة نفســها؛ إذ يُلــوَّن صــوف الكبــش أو قرنــاه بلمســة مــن الحنّــاء، كبــادرة احتــرام وبركــة. أمّــا الحــجّ، فلــه طقوســه الخاصّــة؛ فبعـض الحجّــاج يضعـون الحنّــاء قبــل الانطــلاق إلــى مكّــة، وآخــرون عنــد العــودة، تعبيــرا عــن الامتنــان وقدســيّة
daughters’ palms. For instance, in parts of North Af- rica, even the sacrificial sheep may be adorned with a touch of colour on its wool or horns, a gesture of respect and blessing. Pilgrimage, too, is marked with henna as some pilgrims to Mecca apply it before setting out, others upon their return, as a sign of gratitude and the sanctity of the journey. In Morocco, returning Hajj pilgrims are welcomed with henna, the designs worn proudly during post-pilgrimage gatherings, linking the ritual to joy, sanctity, and community celebration. Even in mourning, henna speaks. In Mauritania, Mo- rocco, and Tunisia, a widow’s application of henna marks the end of her mourning period, signalling the end of one chapter and the readiness to begin another. In every setting, henna carries its own vocabulary of beauty, blessing, and belonging, a tradition as endur- ing as the stain it leaves upon the skin. Henna is also a treasured gift, offered on occasions such as marriage, pilgrimage, birth, or visits to holy shrines. In Mauritania, it marks academic and spiritual achievement, applied to the right hand of a student who has memorised the Qur’an, honouring his ac- complishment. In the UAE, henna once welcomed pearl-divers home, as women adorned themselves in anticipation of their husbands’ return.
henna artists are invited to take that place and guests, too, join the ritual, tracing designs on their own hands as they talk, laugh, and etch memories while the henna slowly dries into inked beauty. Coupled with the bride’s cascading gown - hand-embroidered and glimmering like captured stardust - the henna’s sienna tones unfurl into tapestry weaving stories of beauty, blessing, and tradition across her skin. It becomes the perfect adorn- ment to make memories that will last a lifetime. Beyond rites of passage, henna is a part of everyday beauty and festivity. It blooms in Ramadan celebrations and in Gargee’an - the mid-Sha’ban night of joy - across Kuwait, the UAE, Qatar, Bahrain, and Saudi Arabia. It even plays a role in caring for animals: in Kuwait, the UAE, Saudi Arabia, Oman, Jordan, and Qatar, henna is applied to horses’ hooves to cool them before races. In Kuwait, it colours National Day celebrations, with families of all ages adorning themselves and offering henna designs freely in shopping centres. Henna weaves itself into the celebratory fabric of Is- lamic holidays. On the eve of Eid, women and girls across the Arab World stain their hands with designs as part of the joyful ritual of dressing for the day. Salons stay open late into the night, while at home, mothers trace simple flowers or the classic central dot onto their
Made with FlippingBook Digital Proposal Creator