torath 308 - june-2025

إضاءة

صراع القيم والتوازن الهش

الاجتماعية هي الرافد الأكبر لتشكيل الهوية القيم الثقافية للمجتمع وتنميط سلوكيات أفراده بملامحها. والقيم الاجتماعية ما هي إلا مجموعة من المبادئ والمفاهيم والمعتقدات التي يؤمن بها المجتمع، وتُُتََدََاوََل جيلا وراء جيل. العالم في هذه الآونة الأخيرة تحدُُث به تحولات جذرية في منظومة القيم للمجتمعات الإنسانية على اختلافاتها كافة، وذلك نتيجة للتغيرات التكنولوجية واتساع شبكة الاتصالات، فدخلت القيم التقليدية في صراع بقاء أمام القيم الحداثية. إن التقاليد والقيم الموروثة تعكس نمط الحياة المتجذر في التاريخ والمؤثر في العادات المتوارثة، وعلى الجانب الآخر جاءت الحداثة بقيم جديدة تنزع نحو الحرية الفردية والتحرر من قيود السلطة الأبوية للمجتمعات. هذه القيم الحداثية تتكئ في بنيتها على التكنولوجيا والتواصل الاجتماعي عبر شبكة الإنترنت؛ ومن ثم تؤثر بطريقة مباشرة في المفاهيم المجتمعية، وتعيد صياغة دفتر التحديات التي تواجهها المجتمعات على مختلف هوياتها وثقافتها. كي نستطيع تفكيك التوتر ما بين القيم التقليدية والقيم الحداثية لا بد أن نفهم العوامل المؤثرة على التحولات القيمية، وكيف تنعكس على أفراد المجتمع؟ وهل يمكن أن نحقق توافقا بين النوعين المتصارعين وتحقيق التوازن بينها؟ في البداية نتعرف على مفهوم القيم التقليدية والقيم الحداثية، القيم التقليدية هي القيم والمعتقدات التي تنتقل من جيل إلى آخر، وتؤثرفي بنيتها العادات والتقاليد المتراكمة على مدارتاريخ المجتمع بمختلف مصادرها الدينية والثقافية، وتشكّّل هذه القيم العنصر الأكثر تأثي ار في الحفاظ على تماسك المجتمع وتوفر البنية الأساسية لاسلتقرار الاجتماعي ورسوخ الهوية الثقافية. أما القيم الحداثية فهي قيم تشكّّلت على وقع معطيات العصر الحديث، والتي تؤثر فيها حديثا التحولات التكنولوجية والاقتصادية، وترتكز هذه القيم على مجموعة من المفاهيم

شريف مصطفى محمد كاتب مصري

الحديثة التي تطورت مع تطوروسائل الاتصال وتشابك العالم داخل عالم افتراضي واحد، وهذه القيم ترتكز على الفردانية والحرية والمساواة وغيرها من المفاهيم الحديثة. كما أن هذه القيم تؤدي دو ار كبي ار في تطور المجتمع ودفعه نحو الاندماج في الحضارة البشرية الحديثة ليتناغم مع المجتمعات المتطورة، التي تمتلك القدرات العلمية والمعرفية. التعاطي بين المفهومين في المجتمعات الأصولية يميل نحو

الحكومية، وفي النقاشات العامة حول موضوعات مثل حقوق المرأة، والحريات الفردية، ودور الدين في الحياة العامة. إن تحقيق التوازن بين التقاليد والحداثة يحتاج إلى وعي مجتمعي منفتح على قبول الاختلافات والتعامل مع التباين في الرؤى والأفكاروالتوصل إلى نقط الالتقاء بين القيم المختلفة والمتباينة فدائما هناك نقط اتفاق. تقدّّم دولة الإمارات العربية المتحدة تجربة حيّّة في تحقيق ًًا التوازن بين القيم التقليدية والحداثية، حيث تشهد تطور ملحوظا في هذا المجال، ولا تزال المسيرة مستمرة نحو تعزيز هذا التوازن بصورة مستدامة. ومع استمرارالتطورالتكنولوجي والعولمة، ستستمر القيم في التحول. ومن المحتمل أن نرى نماذج جديدة من التوازن بين التقاليد والحداثة تظهر في مختلف المجتمعات. إن مستقبل القيم الاجتماعية يعتمد على قدرتنا على التكيّّف والتوازن بين الحفاظ على هويتنا الثقافية وتبنّّي القيم التي تعزز التقدم والابتكار، ويبقى التخوف هو الذوبان القيمي للمجتمعات والثقافات البشرية كافة في هوية القوى المسيطرة على شبكات التواصل الاجتماعي وتحول الهوية البشرية إلى هوية واحدة ممسوخة

الصراع ومحاولة السيطرة والإزاحة، في حين أن التفاعل والتعاطي بين المفهومين في المجتمعات الحداثية يميل إلى المحاورة وإيجاد أرضية مشتركة بين القيم التقليدية أو الحداثية، التي يتحقق معها مصلحة المجتمع والتطور. وعلى مدار السنوات الماضية شهدت المجتمعات تحولات قيمية أسهمت في إحداثها التكنولوجيا وشبكات التواصل الاجتماعي التي خلقت مساحة تبادل ثقافي ومعرفي ضخمة جدا أحاطت بكل البشر وتعاظمت معها نتائج التلاقح الثقافي ونشوء مفاهيم قيمية حديثة ومحدثة، وهذا يؤدي إلى حدوث تآكل القيم التقليدية. لا يمكن أن نتجاوز تعرض الشباب في مجتمعاتنا الشرقية إلى الحيرة والصراع الداخلي أحيانا بين القيم التقليدية التي يتربى عليها على يد العائلة والقيم الحداثية التي يتعرف عليها عبر التعاطي مع الثقافات الأخرى الأكثر تحرار من سيطرة القيم التقليدية، فيتعرض الشباب إلى حالة من الانقسام بين القيم التقليدية والقيم الحداثية، وقد يؤدي ذلك إلى تعرضهم لضغوط نفسية مؤثرة على رؤيتهم وتعاملهم مع الحياة. على مستوى المجتمع، يمكن أن يؤدي هذا التوترإلى صراعات سياسية وثقافية. تظهر هذه الصراعات في السياسات

2025 يونيو 308 / العدد 109

108

صراع القيم والتوازن الهش

Made with FlippingBook. PDF to flipbook with ease