محمد فاتح صالح زغل من أين تأتي الأفكار الجيدة؟ الجيدة لا تنبع في أغلب الأحيان من داخل عقل الإنسان، بل من خارجه تحديدا من خلال التفاعل الاجتماعي. الأفكار وفي دراسة أجرتها جامعة ستانفورد بعنوان «هل تزداد صعوبة إيجاد الأفكار»؟ أوضحت أن العلماء والمبدعين والقادة ناد ار ما حظوا بلحظة إلهام أو لحظة اكتشاف جديدة بمفردهم إن و ُُجدت أصلا ًً. بل تنبع الأفكارمن خلال الحديث مع الزملاء، أو الذهاب إلى الطبيعة والتحدث إلى الشجر. وحول هذه الفكرة تحدثت الناشطة الكينية وانجاري ماثاي وهي من دعاة حماية البيئة قالت: «حتى تحفر حفرة، وتزرع شجرة، وتسقيها، وتجعلها تبقى على قيد الحياة، فأنت لم تفعل شيئا ًً. أنت تتحدث فقط”. واختزل المغفور له - بإذن الله تعالى - الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان - طي ّّـب الله ثراه - هذه الفكرة بعبارة أوسع حين قال: «أعطوني زراعة أضمن لكم الحضارة»، وقد تحققا فعلاًً. تجليـات النخلـة في فكر الشيخ زايد باعتبارها سيرة ٍٍحياة ثقافية النخلة في اللسان الإماراتي: مفردات ومعان
مفتتح استلهامي في مقدمة الكتاب الصادرعن وزارة الإعلام والثقافة بأبوظبي، في كتاب «وليمة التمر»: ثمة كلمة للمغفور له الشيخ زايد في مقدمة الكتاب قال: «بالنسبة لنا، نخيل التمر هو، وسيظل دائماًً، شجرة الحياة بحق. لقد نشأنا على هذه الفصيلة الرائعة وثمارها العديدة، ونجد أنه من المستحيل تخيل الحياة بدونها. عندما نُُعجب بنخلة التمر، فإننا ننظر إلى أسس حضارتنا وقوتها الداعمة لأجيال لا تُُحصى». وقال الشيخ زايد: «إن بستانا من أشجار النخيل وإبلا مع منطقة رعي ممتدة هي كل ما يحتاجه السكان المحليون في الماضي للتعايش في وئام مع الصحراء». إن شجرة نخيل التمرحقا كانت محو ار أساسيا في ثقافة دولة الإمارات العربية المتحدة وبقائها، باعتبارها شجرة الحياة، وهذا يعني أننا سنتحدث عن تجربة حياتية، فقد كانت كأحد أبنائه لازمته عندما تضغط عليه ظروف الحياة فوجد في فيئها بعض الراحة، ومنحته التأمل والتفكير في شؤون الناس وخدمتهم أثناء تجواله في المزارع عندما كان حاكما
النخلة: رمز جامع وعالم دلالي تختزل عبارة الفنان الإيطالي «ليوناردو دافنشي»: (الطبيعة معلمة المعلمين جميعاًً) أثر الطبيعة الفاعل في النشاط الإنساني عبر التاريخ البشري، بحيث يبدو الحديث عنها بوصفها جامعة صفات وعالما مأهولا بالعلامات والدلالات ودورها في الإبداع البشري؛ فهي الرفيق الأول للإنسان، ومعلّّمه الوجودي. فهل أوحت النخلة للمغفور له الشيخ زايد باعتبارها واحته التي كان يستظل بظلها ويستقبل القادة والناس تحت أغصانها، ويجري اللقاءات مع الصحفيين بتنسيم من هوائها العليل تجليات في قيادة الدولة والمجتمع؟ وهل استلهم المغفور له الشيخ زايد من النخلة بدءا من جذرها الراسخ في الأرض وانتصاب قامتها وصمودها أمام الريح وتحملها للحرارة والقيظ ومن ثم من شكل أغصانها وحلو ثمرها وغذائها، الاستفادة منها عبررؤاه السياسية في الحكم؟ وتكريس مبدأ الشورى، وقهر الصحراء والحفاظ على البيئة، والعمران، والتمسك بالقيم المجتمعية الأصيلة، وغيرها؟
29
28
2025 يونيو 308 / العدد
تجليـات النخلـة في فكر الشيخ زايد باعتبارها سيرة حياة ثقافية
Made with FlippingBook. PDF to flipbook with ease