torath 308 - june-2025

النخلة في اللسان الإماراتي: مفردات ومعان

قراءة في تشكلات الصورة وجماليات التعبير : النخلة في الشعر سيميائية الرمز وتعددية الدلالة

وعلى الصعيد الفني أوحت النخلة للشعراء بالعديد من الصور الشعرية المميزة، ومنهم امرؤ القيس في العصرالجاهلي الذي ش ََبّّه شعر حبيبته الطويل الكثيف الذي يتدلى على ظهرها بقنو النخلة المتعثكل أي العذق الكثيف المتداخل المحم ّّل بالثمار، إلا أن هذا العذق ذهبي وشعر حبيبته أسود فاحم، وهذا التشبيه البليغ يجسد صورة حية لحركة الش ََّعْْر، وثقله ٍٍوجمال التفافه وكثافته. يقول: «وفرع يغشــــــــــــــــــــي المتـــــــــــــــــــــــــن أســــــــــــــــــــود فاحـــــــــــــــم )3 ( أثيــــــــــــــــــــــــــــــث كقنــــــــــــــــــــــو النخلــــــــــــــــــــة المتعثكــــــــــل ِِ» وارتبطت النخلة بالكرامة والشرف منذ القدم، فها هو أبو العلاء المعري من العصر العباسي، يشبه في استعارة مكنية ٍٍالنخيل بالإنسان الشريف أو الرفيع المقام الذي يُُزار. يقول: «شربنـــــــــــــــا مــــــــــــــــــــــــــــــاء دجلــــــــــــــــــــــــــــــة خيــــــــــــــــــــر مــــــــــــــــــــــــــــــاء )4 ( ْْـــــــــــــــرََف الشجــــــــــــــــــــــــــــــر النخيــــــــــــــــــــــــلا» وزرْْنــــــــــــــــــــا أش - وفي العصرالحديث، حظيت النخلة باهتمام الشعراء، الذين أبدعوا في وصفها بالعديد من الصور، وها هو أمير الشعراء «أحمد شوقي» يحار في وصف النخلة الباسقة في الرمال، فيصفها مرة بسارية السفينة، ومرة أخرى بالمسلة الفرعونية، ومرة ثالثة بالفنارالذي يهدي السفن، ورابعا بالمئذنة المزينة، ِِيقول: «وباسقـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة مـــــــــــــــن بنــــــــــــــــــــات الرمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــال نمــــــــــــــــــــــــــــــت وربـــــــــــــــت فـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــي ظـــــــــــــــلال الكثـــــــــــــــب

الأمير كمال فرج

 نبتة مباركة، ذكرت في الحضارات النخلة القديمة، وارتبطت بالإنسان العربي عبر العصور، ً وافار في �ً حيث شك ََّلت مصد ار للغذاء والدواء، وظلّا الصحراء القاسية، وأصبحت جزءا لا يتجزأ من تراثه الأدبي والديني والاجتماعي. وفي الأدب العربي، ألهمت النخلة الشعراء والكّتّاب وظهرت في كتاباتهم كرمز للعطاء والصبر، أما في التراث الشعبي، فقد ارتبطت بعادات الضيافة والمناسبات، ودخلت في أمثال العرب وحكمهم، مما يعكس عمق ارتباطها بالهوية العربية، كرّّمها الله في كتابه الكريم، وجعلها مصدار للحياة، قال ِل ْْع ِِب ََادِِ �ِّ تعالى: (وََالنََّخ ْْل بََاس ِِقََات لََّهََا ط ََلْْع نََّض ِِيد ٌٌ، رِِزْْقا ل . )1 ( وََأََح ْْيََيْْنََا بِِه بََلْْد ََة م ََّيْْتا كََذ ََلِِك الْْخ ُُرُُوج ُُ) ودخلت النخلة التاريخ العربي من أوسع أبوابه، وكانت محوار للعديد من الأحداث، عندما دخل هـ، وحيدا 138 عبد الرحمن الداخل الأندلس عام فارّّا من الموت، شاهد نخلة منفردة في منطقة ٌٌالرصافة، فقال: ْْـــــــــط الر ُُصافــــــــــــــــــــــــــــة نخلـــــــــــــــة ِِ«تبــــــــــــــــــد ّّت لنـــــــــا وس تناءت بأرض الغــــــــــــــــــرب عن بلــــــــــــــــــــــــد النخـــــــــــــــــل فقلــــــــــــــــــت شبيهــــــــــــــــــي فــي التغـــــــــرُّّب والنـــــــــــــــــــــــــــوى ٌٌوطــــــــــــــــــول التنائــــــــــــــــــي عـــن بََنـــــــــي وعـــــــــن أهلــــــــــــــــــي نشـــــــــأت بـــــــــــــــــــــــــــأرض أنـــــــــت فيهـــــــــــــــــــــــــــا غريبـــــــــــــــــــــــــــة )2 ( فمــــــــــــــــــثلُُك فـــــــــي الإقصـــــــــاء والمُُنتأى مثلي»

كســــــــــــــــــــــــــــــاريــــــــــــــــــــــــــــــة أو كالمسلـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة..

أو كالفنــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــار وراء العــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــبب

ك � م ََــــــــــــــــــــــــــــــآذ ِِن قام ََـــــــــــــــت ه ُُنــــــــــــــــــــــــــــــا أََو ه ُُنــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا

)5 ( ََــــــــــــــــــــــــــــــــــــــذ ََب» ظ ََواه ِِرُُهــــــــــــــــــــــــــــــا دََرََج مِِـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــن ش الحيرة نفسها وقع فيها «فوازاللعبون» الذي شبه النخلة بصور عدة تؤكد قابليتها للتأويل المفتوح، فمرة وصفها بفتاة حسناء تغسل جدائلها في الماء، ومرة أخرى بسيدة عجوز تركع لله، ومرة ثالثة برجل هد ّّته السنين، ومرة رابعة بأب يحنو على ولده من أشعة الشمس، ومرة خامسة بالبخيل التي يتمسك بالمادة ولا يتخلى عنها حتى الموت، ومرة سادسة بالعاشق الحزين على فراق أحبابه، فيقول: ُُ«ونخلـــــــــــــــة فـــــــــــــــــــــــي الفلا فلـــــــــــــــت ضفائرهــــــــــــــــــــــــــــــا كأنهـــــــــــــــا غــــــــــــــــــــــــــــــادة بالمــــــــــــــــــــــــــــــاء تغتســــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــل ُُأو كهلـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة شهلــــــــــــــــــــــــــــــة للــــــــــــــــــــــــــــــه راكعـــــــــــــــــــــــــــــــــة فمـــــــــــــــا تــــــــــــــــــــــــــــــزال تناجيــــــــــــــــــــــــــــــه وتبتهــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــل ُُأو أحـــــــــــــــدب هــــــــــــــــــــــــــــــد ّّت الأعـــــــــــــــوام كاهلـــــــــــــــــــــــــــــــــــه حــــــــــــــــــــــــــــــارت خطـــــــــــــــاه ولم ترأف بـــــــــــــــه السبـــــــــــــــل د � ُُأو والـــــــــــــــد مشفـــــــــــــــق يحنـــــــــــــــو علـــــــــــــــى ولـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ في سطـــــــــوة الشمـــــــــــــــس والرمضـــــــــاء تشتعـــــــــل ُُأو باخــــــــــل غـــــــــــــــاص في الرضراض درهم ُُـــــــــــــــــــــــه فليـــــــــــــــس يبــــــــــــــــــــــــــــــرح حتـــــــــــــــى يـــــــــــــــأذن الأجــــــــــــــــــــــــــــــــل أو عاشـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــق م ُُطـــــــــــــــرق تجـــــــــــــــري مدامعـــــــــــــــه )6 ( ٍٍعلى الذيـــــــــــــــن مضـــــــــــــــوا عنـــــــــــــــه مـــــــــــــــا سألــــــــــــــــــــــــــــــوا»

39 2025 يونيو 308 / العدد

38 النخلة في الشعر: سيميائية الرمز وتعددية الدلالة

Made with FlippingBook. PDF to flipbook with ease