torath 308 - june-2025

النخلة في اللسان الإماراتي: مفردات ومعان

الح ُُصر التي تستخدم في فرش البيوت، والسلال التي توضع فيها الأطعمة أيضاًً، ومن عذوقها القديمة يصنعون أداة كنس وتنظيف، ومن ليفها يصنعون الحبال،... إلخ. ومن النّّخلة وثمارها ومشتقاتها صاغ أهل الإمارات الأوائل أمثالهم الشعبية، وهو ما استعرضه لنا الكاتب والباحث عتيج القبيسي في هذا الم لؤََّف. ويؤكد القبيسي أن أهل الإمارات في ذلك الزمن لم يكونوا يستغنون في حياتهم اليومية عن كثير من الأشياء، وعلى رأسها القهوة والتمر. التمر قناد الد ّّلة ومن الأمثلة التي قد ّّمها لنا عتيج القبيسي قولهم: «التمر قناد الدلّّة»، حيث إن القناد هو الهيل، والدلّّة هي الوعاء الذي تُُصب فيه القهوة. وعادة ما يُُعتبر الهيل من أهم الإضافات إلى القهوة، ومن الصعب أن تُُقدّّم القهوة من دونه. لكن في هذا المثل ش ُُب ّّه التمر بالقناد، لأن القهوة لا ت ُُستساغ من دون التمر، والتمر لا ي ُُؤكل من دون القهوة؛ فكأن هذين الشيئين، رغم اختلاف طعمهما - هذا مر وذاك حلو - وتكوينهِِما - هذه بذرة وذاك ثمرة - لا يفترقان أبداًً. وجودهما معا يُُعد ضرورة في كل مجلس، إذ يُُكملان بعضهما. وهنا يُُقد ّّم المثل بُُعدا أعمق، يُُشبه علاقة الناس ببعضهم: فالاختلاف، مهما كان كبيار أو صغي ارًً، يجب ألا يكون عائقاًً، لأن كل فرد يُُكمل الآخر، مثل حلقات السلسلة التي تحتاج إلى بعضها لتبقى متماسكة.

علي تهامي صور حضور الن ّّخلة في الموروث الشعبي الإماراتي، وتتنوّّع المؤلفات والدراسات التي ترصد ذلك الحضور في تتعد ّّد شتى صور التراث الثقافي من أشعار وأمثال وحكايات احتفظت بها الذاكرة الشعبية الإماراتية عبر الزمان. وفي مؤلف حمل عنوان «الن ّّخلة في الأمثال الشعبية»، منتخب من كتاب، «رحلة بين سطورالأمثال»، للكاتب والباحث عتيج القبيسي، يوثّّق لنا المؤلف ما قيل في النّّخلة من أمثال شعبية يتناقلها أهل الإمارات من جيل إلى جيل. ويُُقدم لنا شرحا وافيا لتلك الأمثال التي تجلّّت فيها مكانة النخلة لدى الإماراتيين. ويرسم لنا عتيج القبيسي في مؤلفه الصادر عن معهد الشارقة للتراث، صورة للعلاقة الوثيقة التي ربطت أهل الإمارات الأولين بالن ّّخلة التي كانت بالنسبة لهم مصد ار من مصادرالعيش والرزق والمنافع المتنو ّّعة، فكانوا يسمون صاحب الن ّّخيل «راعي مال»، باعتبار أن الن ّّخلة بالنسبة لهم تمثل المال، و«راعي مال وحلال»، ويُُعنى بذلك من يملك نخلا ومواشي، والن ّّخلة بالنسبة لأهل الإمارات الأولين هي الطعام، وهي المسكن، وهي الأثاث، وهي الرزق الحلال الذي تقوم عليه بيوتهم، ويعتاش منها أهلهم وعيالهم، فالنفع من الن ّّخلة لم يكن الرطب والتمر الذي ي ُُباع فقط، وإنما يصنعون «الدعون»، التي ي ُُستخدم في تشييد البيوت، وكذلك النخلة : في الذاكرة الإماراتية قراءة في الأمثال الشعبية مع عتيج القبيسي

حشفة على حشفة ما تلصق وهذا مثل آخر أورده لنا الباحث عتيج القبيسي، وهو «حشفة على حشفة ما تلصق»، والحشفة هي ثمرة الرطب الفاسدة التي يبست في عذقها، وبما إن الحشف يكون يابسا فمن المستحيل أن يلتصق مع بعضه، وهذا عكس المثل الذي قال: «إذا استوى صاحبك حشفة، استو له تمرة»؛ لأن التمرة لينة ولزجة، فالحشفة تلتصق فيها، وهذا دليل على

53 2025 يونيو 308 / العدد

52 ٍٍالنخلة في الذاكرة الإماراتية: قراءة في الأمثال الشعبية مع عتيج القبيسي

Made with FlippingBook. PDF to flipbook with ease