torath 308 - june-2025

النخلة في اللسان الإماراتي: مفردات ومعان

لم يكفكم أنكم تتفرّّقون من حوله، بل قمتم تتكلمون ضده وتتهمونه بالبخل. رخص الفرض.. وديّّنوه وقالوا أيضاًً: «رخص الفرض.. وديّّنوه»، وهذا المثل يُُقال في حال كان الشخص عزي از ومقربا ًً، عندما كان عنده خيروينفع الناس، لكن إذا قل ماله فارقه أصحاب المصالح فيقال: (رخص الفرض)، والفرض من أجود أنواع التمور، وقال فيه الأولون «الفرض عمود الأرض إن كلته هََنّّاك، وإن بعته أغناك»؛ لأن الفرض يتحمل مدة تخزين أطول، وقشرته تبقى ثابتة لا تتشقق، وتمرة الفرض لو وقعت في التراب لا يلتصق فيها، والتمرات لا تلتصق مع بعضها أيضاًً؛ إذ ليس فيه دبس، وسكره أخف من بقية أنواع التمور، لكنه إذا كثر ورخص باعوه بالدين؛ أي بعد أن زهدوا فيه ديّّنوه. الطويلة ما تنرقى والقصيرة فيها شوج والمثل الأخير في إطلالتنا على حضور النّّخلة في الأمثال الشعبية الإماراتية، بهذا المثل: «الطويلة ما تنرقى والقصيرة فيها شوج»، ويتحدث المثل عن الشخص الذي يُُسمى في اللهجة الإماراتية «هيز»، فإذا قيل فلان هيز، فهذا يعني أنه كسول، ولا يحب أن يخدم الناس أو ينفعهم، وإن طلبوا منه شيئا قال لا أقدر على فعله، يتعذر بأي شيء كي لا يطلب أحد منه خدمة أو مساعدة. والطويلة يقصدون بها النخلة المرتفعة العالية، وأهل البيئة الزراعية يسمونها «عوّّانة»، والقصيرة هي النخلة الصغيرة المثمرة ويسمونها «بچسة» أيضاًً، وأصلها «بكسة»، وهذا الشخص عندما طلبوا منه

أن الاختلافات التي بين الناس تُُعد ظاهرة صحيّّة أيضاًً؛ لأنها تشكل هذا النسيج المتجانس، رغم اختلاف الألوان والأشكال في المجتمعات، والإنسان لا يتوقع أن كل الناس سيكونون على هواه، وأن طباعهم مثل طباعه فلا بُُد بين الخيرين الكثر أن تجد واحدا مؤذياًً، ورفقته لا تسر، والمتعة في الحياة أنك ترى الزين والشين والصالح والطالح وتستقبلهم، والناس مثلما قالوا أجناس، وأنت تلتزم التعامل مع الكل. حتى في الخلاص حشف ومن الأمثلة التي ساقها لنا الكاتب عتيج القبيسي في مؤلفه حول حضورالن ّّخلة في الأمثال الشعبية الإماراتية قولهم «حتى في الخلاص حشف». والخلاص يعد من أفضل وأجود وأغلى أنواع التمور، ومع هذا يكون في عذقه حشف، وهذا معناه أن الزين ما يكمل كما يقولون، لكن من الطبيعي أن الناس يأخذون الزين ويتركون الشين، فأنت تعامل على هذا الأساس، الزين احتفظ به والشين رد ّّه إلى أهله؛ لأن هناك أناس ًا هذرهم زائد، وفعلهم قليل، أوحتى معدوم، وإذا جلست معهم، وضعوا لك الشمس في يد، والقمرفي يد، لكن ساعة الجد لا تجدهم، ولا تجد شيئا من وعودهم. خلالة في منخل مثال آخروث ّّقه المؤلف عتيج القبيسي، وهو«خلالة في منخل»، والخلالة هي ثمرة الرطب قبل أن تنضج، أي قبل أن تصير بسرة، والخلالة هي في المنخل، تلف وتدور وتصدر الأصوات العالية، وهي تجول في وسط المنخل، فلا هي تسقط من فتحات المنخل، ولا هي تثبت وتقر في مكان واحد، وهذا حال بعض البشر: «أنا.. وأنا.. وبسوي وبفعل.. وباجر بتشوفون»، وفي النهاية يتضح أنه مجرد (خلالة في منخل)، كلام بلا فعل فالشيء الذي لا يستحق لا داعي أن نعظمه ونعطيه أكبر من حجمه، وكذلك الأشخاص، أعطهم قدرهم بلا زيادة ولا نقصان، الذي يستحق المدح والتعظيم يمدح ويعطى قدره، والذي لا يستحق فلسنا مجبرين على نفاقه وإعطائه قد ار أكبر من قدره. اللي تنقصه الخوصة ما یبا سچ ّّین ومن الأمثلة الإماراتية التي وردت في النّّخلة، والتي نقلها لنا

«القبيسي» قولهم: «اللي تنقصه الخوصة ما یبا سچ ّّین». والخوصة هي الورقة التي في سعفة النّّخلة، وجمعها خوص، ومعنى المثل أن الشيء الذي تقدر أن تقطعه بالخوصة لا يحتاج إلى سكين؛ لأنه «ما يرزا» كما يقولون، أي لا يستحق. وإذا كان هذا الشيء بهذه الليونة حتى الخوصة تقدر أن تقصه، فالسكين خسارة كبيرة فيه، وكذلك الأشخاص، لا يجوز أن ترفع قدر الذي هو أصلا ليس بكفء لهذا القدر، وربك خلق الناس وفرق بينهم وجعلهم مقامات، وهذا ليس فيه تفرقة ولا تعال - لا سمح الله - لكن هذا هو النسيج الاجتماعي المتجانس، حيث يكون لكل شخص قدره ومكانته. شايف العذج في أمه مثل آخر ننقله من مؤلف الكاتب والباحث عتيج القبيسي، هو «شايف العذج في أمه»، ومعناه أن هذا الإنسان مولود في بيت عز، ويعرف الخير من صغره، والكرم والجود متوارث عليه، وكما قلنا في البداية، إن النّّخل يعد رأس مال بالنسبة لأهل الإمارات الأولين، فهذا الذي يقال عنه بخيل، عرف الخير وهو ما زال عذقا لم يقطعه أحد، يعني قبل أن تروه أنتم أيها المبغضون الحاقدون، فلما كان هذا الرجل عنده الخير، ويمد ويعطي بلا حساب، كنتم تمدحونه، ولا تفارقونه، وتتسابقون لكسب وده وعطاياه، ويوم أن دار عليه الزمان،

يخرّّف الطويلة (يخرّّف: يقطف ثمارها ويعتني بها)، قال هذه طويلة، لا أستطيع تسلقها، فإذا قالوا له اذهب إلى هذه القصيرة عذوقها في التراب، ويسهل الوصول إليها، قال هذه فيها شوك، يعني اعتذر عن كل شيء، وكما قال أهل الإمارات الأولون: «لا ينفع ولا يسر». وهكذا تتجلّّى النخلة في الأمثال الشعبية الإماراتية لا بوصفها مجرد شجرة، بل كرمز عميق للرزق والصبر والكرم والجذور الممتدة في الأرض والهوية. وقد نجح عتيج القبيسي في مؤلفه بتوثيق هذا الحضور البارز للنخلة، مسلطا الضوء على المعاني والدلالات التي ارتبطت بها في حياة أهل الإمارات عبر الأزمان. إن استعادة هذه الأمثال وحفظها لا تعني فقط الحفاظ على كلمات الماضي، بل تعني الحفاظ على روح التراث الذي يربط الإنسان الإماراتي بأرضه وتاريخه وثقافته أيضاًً، ليبقى شاهدا على علاقة الإنسان بموروثه وبيئته، ومصدر إلهام للأجيال القادمة ٍٍباحث مصري

55

54

2025 يونيو 308 / العدد

النخلة في الذاكرة الإماراتية: قراءة في الأمثال الشعبية مع عتيج القبيسي

Made with FlippingBook. PDF to flipbook with ease