النخلة في اللسان الإماراتي: مفردات ومعان
ذاكرة النخيل
لولوة المنصوري مقدس مبارك عندما تشهد انحسار منظر الشمس وقت المغيب عن رؤوس مزارع النخيل، هذه الأشجار الصابرة المرافقة لأمن وطمأنينة الإنسان على مر التاريخ والأساطير، هي رمزالوجود الأول والخصوبة والجنة الأرضية والممالك العظيمة، فهي تكاد أن تكون إنسانا بما يجمع بين الذكروالأنثى من طقوس الرباط القدسي التام في السحرية والغموض، ولعل بعض القبائل الجبلية والصحراوية المتحفظة مازالت تضخم من حجم تحريم اقتلاع النخلة وتساويه بقتل الإنسان، (إن الطين المتبقي من خلق آدم أخذه الله وخلق منه نخلة) هذه رواية تواترت في مأثورات الجزيرة العربية التي التحمت مع روايات الأساطير الكثيرة للصحراء، حيث إن وجود الإنسان مرتبط بوجود النخلة، ولهذا هي مقدّّسة فقد ذهب بعض عرب شبه الجزيرة إلى تأويل معنى النخلة إلى كون الله تعالى أمر الملائكة أن يضعوا التراب الذي سيخلق منه آدم في المنخل، فنخلوه، فما كان منه صافيا اختاره الله لطينة آدم، وما بقي في المنخل صنع منه النخلة!. أدركت النخلة من خلال ما يُُروى حولها من أساطير متواترة وخرافات شعبية لا حصر لها، ففي إمارة رأس الخيمة تحديدا في قرية «ضاية» الجبلية حيث يقبع ركام بقايا قلعة الملكة ال بزّّاء، تتكاثر مزارع النخيل بشكل غرائبي ولا ينتهي النسل، وكأن الملكة أكلت رطبة، وألقت للبلاد بذرة، فتناسلت وتباركت البذرة إلى حقول وبساتين في «ضاية».
السحر الفاتن في هذه الحكاية العجيبة أن الميلاد الأول للنخلة كان في بلاد سومر وعلى يد غراب! حسب ما تقوله الأسطورة التي عرضها الباحث والمؤرخ خزعل الماجدي في كتابه (متون سومر) بأن كبير آلهة السومريين نظر إلى أرض العراق، فرأى النهر يتدفق، والطين يخفق، والأرض تحبل ًًا حقولا ومزارعا وجنات وأنعام وممالك، لكنه أمعن النظر كثير فأصيب بالوحشة وانقباض الروح وشعر بأن أرض الرافدين تكرر نفسها رغم كل ما تزخر به من عناصر النعمة، ينقصها الحياة ، ينقصها الدفق والهواء والدفء والسحر، نعم ينقصها السحر، وذلك يتحقق بوجود شجرة من خارج الكون، شجرة تشبه امرأة، ومواصفات هذه الشجرة نجدها في أحد الملاحم
أتذكر قول امرأة في بلدتنا: (في آخر الزمان تشهق النخيل ارتفاعا عن الجبال .. أولها نخلة في شرق الوادي قرب رأس الغولة! مدّّت ذراعها إلى الشرق). ولا أعلم حقيقة هل توجد منطقة في الجوار الشرقي اسمها رأس الغولة؟! . ولعل أجمل ما يقال في النخلة هو على لسان أمهات الجبل وقت تقديم التعازي للأطفال الذين تموت أمهاتهم الصغيرات (الأم الم ُُحب ََّة لا تموت، تتحول إلى نخلة في البيت). بعد أن دخلت مراحل البحث والتساؤل، صرت أتأمل مزارع النخيل في الجبال الممتدة على مد المُُخيلة، التي خص ََبت نصوصي كثيارًً، فازداد تأملي وشغفي بها وقراءتي عنها، أذهلتني الأساطير المنسوجة حول بدء وجودها الأول، يقال
السومرية على لسان كبير الآلهة (لسانها الطلع يعطيك لبّّاًً، الألياف تعطيك حصي ارًً، فسائلها التي تحيط بها تعطيك أدوات القياس، جريدها يرافق الأوامر الملكية، تمرها يتدلى أعذاقا بين سعفها الكثيف، تمرها نذور في معابد أكبر الآلهة،......)، إلى آخر الصفات الواردة في الملحمة. وهنا والأكثرعجائبية في هذه الأسطورة أن كبير آلهة السومريين يأمر أن يحضروا له الغراب
إن في البدء كانت النخلة في الجزيرة العربية، وإن لها صدارة الوجود في الجزيرة العربية قبل أي كائن، ومن ظلالها خرج الإنسان المتفيء والجائع لثمارها، ومن تحتها اندلق تيارالواحات الأولى في التاريخ. ظلال النخلة الأسطورة لكن أساطير آلهة السومريين خالفت الأقاويل السابقة حول أول نخلة ولدت في الكون،
57 2025 يونيو 308 / العدد
56 ٍٍذاكرة النخيل
Made with FlippingBook. PDF to flipbook with ease