النخلة في اللسان الإماراتي: مفردات ومعان
الذي أنشأ أول قبر على الأرض (وقت أن كشف لقابيل كيف يواري جثة أخيه هابيل). وجيء بالغراب الذي وقف مذهولا بين يدي كبير الآلهة الذي أوكل له أن يغرس أول نخلة في الكون. انطلق الغراب ينفذ التدبيربأي طريقة، فكانت السرقة هي الحل الأكثر عجالة، سرق كحل س ََح ََرََة سومر، وسحقه سحقا ثم بذره بين الحواشي المتاخمة للأهوار لتطلع شجرة الآلهة التي لم يعرف ولم ير أحد مثلها قط. هكذا ولدت أول نخلة وفق الأسطورة السومرية في بلاد الرافدين وعلى يد غراب! وكان الكحل هو البذرة الأولى للنخلة، والكحل زينة العين، لذا صار لسعف النخيل شكل الحاجب، وصارت النخلة امرأة، وملكة على أرض السواد. تظل النخلة أحد أهم الرموز الموضوعية المتعايش معها من قبل الجماعات التي لم تكف عن إنتاج عقائدها وطقوسها، وابتكرت الجماعات في بلاد الرافدين لها محرما وهو أنه لا يجوز جني تمرها بعد غروب الشمس لأنها تصرخ أما في الأسطورة الكنعانية، فإن طائر الفينيق يحج إلى مدينة بعلبك، ويموت بها وينبعث ثانية هناك. العلاقة خفية بين ًًطائر الفينيق وشعاره المقدس «النخلة» وبين عقائد الحياة والموت ومن بعد التجدد / الانبعاث والصعود ثانية أيضا النخلة في المرويات العربية والدينية في الموروث العربي والديني نلاحظ أن النخلة شجرة مباركة ذُُكرت في القرآن الكريم وفي الس ُُّنة النبوية وتناولها
الشعراء في أشعارهم، وهي لا شك أن لها شأنا عظيماًً. وفي الصحيحين عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى : (إن من الشجر شجرة ﷺ عنهما قال: قال رسول الله لا يسقط ورقها وهي مثل المسلم، حدثوني ما هي؟) فوقع الناس في شجر البادية، ووقع في نفسي (أي نفس ابن عمر) أنها النخلة، قال عبد الله: فاستحييت، فقالوا: يا رسول الله أخبرنا بها، فقال عليه الصلاة والسلام: هي النخلة، قال عبد الله: فحدثت أبي بما وقع في نفسي، فقال: لأن تكون قلتها أحب إلي من أن يكون لي كذا وكذا. وأما قول بعضهم: إن النخلة عمة الإنسان فهو إشارة إلى الحديث الذي افتتح به أبو حاتم السجستاني كتابه «النخلة» حيث يقول عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، قال: : (أكرموا عمتكم النخلة فإنها خلقت من ﷺ قال رسول الله الطين الذي خلق منه آدم وليس شيء من الشجريلقح غيرها) وما يتداوله الناس أن النخلة خلقت من فضلة طينة آدم، فقد قال عنها الخطيب القزويني: إنها تشبه الإنسان من حيث الاستقامة. وامتياز ذََكََرها عن أُُنثاها واختصاصها باللقاح. ولا ننسى وصفا للنخلة وصفها به خالد بن صفوان للخليفة الأموي عبد الملك بن مروان، جاعلا كل مرحلة من مراحل نضوج ثمرها بدءا من تحولات الطلع فيها إلى ثمر ينتقل بين الأحجارالكريمة، فقد شب ّّه أول الطلع بالفضة واللؤلؤ، ووصفه بعد نضجه بالذهب والياقوت الأحمر. لقد أبدع الأدباء العرب في وصف النخل في أكثر من كتاب وما زال هناك الكثير مما
ٍٍ «المكب» غطاء من الخوص يغطى به أواني الطعام
وقت الترحال). والدّّعن: (حزمة من جريد النخيل، تُُستخدم لفرد الرطب فوقها بغية تجفيفه ليتحول إلى تمر). والمبخرة: (الحامل الهرمي الذي توضع فوقه الملابس لتتشبع بعبق البخور). والشاشة: (قوارب الصيد)... وغيرها من المصنوعات المتجذرة بمكوناتها من النخلة. تزخر النخلة في الشعارات والاحتفالات.. وعند الانتصارات هي من الرموز الحاضرة في هذه المناسبات، وهي رمز للعمق، ما تشبّّه الفتيات بالنخيل، والانتصارات ا � والطول، وكثير بالنخيل، وعادة ما ترتبط النخلة بالأشياء الإيجابية ودلالاتها كما أنها حاضرة بقوة في الشعر الإماراتي والروايات والقصص، تماماًً، كما يحضر البحر وتحضر الصحراء النخلة هي الذاكرة، وستبقى جذ ار وجدانيا وتاريخيا وحضارياًً، وهي محكومة بالبقاء والخلود ما دامت النفس البشرية موجودة على هذه الأرض. لقد تغيرت الصحراء عبر القرون لكن النخلة أزهرت وأينعت وأثمرت وتفرعت في السماء كما تجذرت في الأرض باحثة وروائية إماراتية المصادر والمراجع: .1998 خزعل الماجدي، متون سومر، دار الأهلية، .1 . ناجح المعموري، أساطيرالنخلة وعقائدها، الاتحاد العام للأدباء والكت ّّاب في 2 العراق، موقع إلكتروني. )، النخيل والتمر في التراث 87 . ضحى عبد الرحمن، مباحث في اللغة والأدب ( 3 ، شبكة البصرة، موقع إلكتروني. 2 العربي .2016 يوسف العدان، أياد من ذهب، نادي تراث الإمارات، .4
يمكن أن يكتب عنها لتكون بذلك رم از عظيما تستحق التكريم والتقدير من كل العالم. النخلة الإماراتية للنخلة حكاية في قلب كل إماراتي، فهي ذاكرة تحمل عطاء الأجداد، وتسجل أسماءهم وقصصهم الكثيرة، إذ تشكّّل مزارع النخيل إرثا ممتداًً، ينتقل من الجد إلى الأحفاد حاملا معه الكثير من المشاعر للأبناء، إذ يرتبط أهل الإمارات بحب متنام للنخلة والتمر منذ الصغر، وشغف كبير به وبأنواعه المختلفة، ما يدفع المهتمين به إلى إقامة مواسم احتفالية، باعتبارها فرصة متجددة لاستعراض تعلق الإماراتي بهذه الثمار طيبة المذاق، رغم اختلاف العادات الغذائية، وتعدد خيارات المستهلكين، بحكم تطور الحياة العصرية للنخلة رمزية ثقافية وسيسيولوجية؛ فهي ممتدة إلى الحِِرف والصناعات، فهناك: السفافة: (وهي نسج خوص النخيل، وتعد من الأشغال النسوية لصناعة الحصير أو السمّّة). والسرود: (وهي السفرة، قطعة حصير دائرية توضع فوقها أطباق الطعام). والخصف: (وهو الإناء الذي تُُحفظ فيه التمور). والجفير أو المزماة: (وهي سلة يستخدمها أهل البحر في حمل الأسماك). والمكب: (وهو غطاء هرمي تُُغطى به الفوالة). والقحفية: (وهي قبعة الأطفال المصنوعة من خوص النخيل). وصناعة المََنْْفََض: (وهو الوعاء الذي تجنى به الرطب). والقفص: (وعاء لحفظ البصل أو لنقل الدجاج
59 2025 يونيو 308 / العدد
58
ذاكرة النخيل
Made with FlippingBook. PDF to flipbook with ease