torath 308 - june-2025

ارتياد الآفاق

فانتازيا الرحلة: بحر في الصحراء! من الحوادث التي وقعت في طريق الحج قصة يمكن تصنيفها لمفاهيم الكتابة والسرد في العصر الحديث ضمن ا � وفق «الواقعية السحرية» أو «الفانتازيا»، وقد نقلها تاريخ الفتاش، وسردها بأسلوبه الخاص، الذي يحاكي أسلوب الرواية بألسنة بلاد مالي، قال: «وحدثت أنه خرجت مََعََه زََوْْج ََتُُه المُُس ََم ََّاه إنار كُُنت ِِ، مع خمسمئة من نسوتها وخدمها، إلى أن نزل بموضع من صحاري بََيْْن تُُوََات وََتََغََارُُ، وباتت زوجته تلك معه في فسطاطه ساهرة، ونام هو. ثم استيقظ ووجدها ساهرة لم تنم، فسألها: أما نمت؟ ما لك ِِ؟ فلم تُُجبه. وبََقِِيََت إلى نصف الليل. ثم استيقظ فألقاها كذلك ساهرة، فأنشدها بِِاللََّه عََم ََّا أََصابها؟ فََقََالََتْْ: ليست إلا وسخ بدني ودرنها، وقد تمنيت البحر؛ فأغتسل وأخوض وأغتمس وأعوم، فهل لك تحصيل ذلك وإيجاده في ملكك!؟.. هنا نهض كنك موسى جالساًً، وغاظه ذلك، وجلس متفك ارًً. ثم أمر برئيس خدمه المسمى فََرْْب ََ، ونودي وأتى، وحيّّاه تحية الملك ... فلما فرغ من تحيته قال له: يا ف ََرْْب ََ! منذ تََزََو ََّج ُُت بِِزََوْْج ََتِِي ه ََذه ما طلبت منه كذا وما خاطبتني بما تََقْْص ُُر ع ََنه قدرتي، ولا بما ليس في ملكي ويعجز عنه قدرتي، إلا في هذه الليلة؛ فقد سألتني البحر وإيجادها من العدم في قفارها، وبيننا وبين البحر مسيرة نصف شهر، وليس لهذا موجد إلا الله وحده، فقد أعجزتني الآن، فقال فََرْْب فعسى الله أن يُُصلحه عليك».

يضاف إلى هذا القدر من الذهب ما اقترضه في مصر من تجارها، لما عاد من الحجاز، ووفى به راجحا بعد رجوعه إلى بلاده. ولم يقع تقدير ذلك في المصادر؛ وإنما قدروا الأرباح الطائلة التي جناها تجار مصر من إقراضهم منسا موسى وقومه؛ فنقل ابن فضل الله أن ّّهم ربحوا سبعمئة دينار في كل ثلاثمئة دينار. كما يضاف إلى التقويم الاقتصادي للرحلة ثمن بيعه القصرالذي أقطعه السلطان محمد بن قلاوون، ليسكنه حين قدم من مالي. وهذا القدر الكبير من الذهب لم يجمع منسا موسى كله من خزانة دولته؛ بل جمعه منها ومن جود رعاياه في كل الأراضي التي تحت طاعته واستمرحمل الذهب الكثير؛ من حجاج بلاد مالي بعد منسا موسى س ُُنة ونهجاًً. بهاء التقويم العددي (موكب الحجيج) ضم موكب منسا موسى أعدادا كبيرة من الناس، متفاوتين في خلفياتهم ومهامهم، منهم من رافقه من مالي، ومنهم من انضم إليه في الطريق، خاصة من مصر. ضم الموكب زوجته إناركنت مع خمسمئة امرأة في خدمته، إضافة إلى أربعة عشر ألف جارية بحسب المقريزي. كما شمل الأمراء والنواب على الأقاليم والبلدات، القضاة مثل أبو العباس الدكالي، وأدلة الطريق، وآلافا من العسكر والخدم، قد ّّرهم المؤرخون بين عشرة آلاف إلى عشرين ألفاًً.

بحيث تضطرب فيها الأمواج، وتتلاطم كالبحر العظيم ورجع إلى كنك موسى، فوجدهما جالسين، وقد أيقظهما وهج تلك النار ودخانه، فحياه تحيته الملكية، ثم قال: أيها السيد فقد أعانك الله وأذْْهََب همك، وأين إنار؟ فََلْْتََأْْت فََقََد أََقْْدََرََك الله على إيجاد البحر برك ََة م ََن تزوره: رسول الله صلََّى الله ع ََلََيْْه و ََس ََل ََّم، فها هي! ووافق ذلك بطلوع الفجرالأعلى من تلك الليلة. فقامت نسوة معها، وهن خمسمئة، وركبت على بغلتها إلى البحر، فنزلن فيها فرحات مولولات مسرورات ٍٍ، وََغََسََلْْنََ، ثُُم رحلوا وغ ََرََف بعضهم من ماء الحفرة». المسار العجيب للرحلة إلى حد مصر بدأ منسا موسى رحلته إلى الحج عبر الصحراء، متوجها إلى مصر ثم الحجاز، متجنبا طريق ساحل البحر الأبيض المتوسط الذي سلكه قبله منسا سكر من لاسطين مالي.

وخرج فََرْْب باكيا يضرب صدره إلى موضع نزوله، ونادى العبيد، وحضروا أسرع من طرفة عين.. وعددهم ثمانية آلاف وسبعمئة.. فأخرج لهم المديرات على حسبهم، ومشى ألف خطوة، وأمرهم بحفرة، وحفروها، وأخرجوا ترابها، ثم حفروها حتى نزل إلى نحو ثلاث قامات، ثم أمر بالرمال والأحجار حتى امتلأت الحفرة، ثم أمر بجذوات الحطب، فجمعوها فوقها، ثم أتى بقلبات بُُلََنْْغََة (ثمرة معروفة في بلاد السودان يُُتخذ منها زيت، وقلبات الثمرة - أي نواها-) ووضعها فوق ذلك كله، ثم رمى عليها النار، ووقد واشتعل فذاب ذلك البلغات على الأحجاروالرمال وكسرهم، (ربما يعني أن النارالمشتعلة أذابت نوى البلنغة وكسرتها؛ فتشكلت منها أرضية تحفظ الماء على سطحها) وملست الحفرة وصارت كالفخار، ثم أمر بالمياه الموجودة في قربهم وزقّّهم، وحلوا أفواه القرب والزقوق، فانصبت وسالت إلى الحفرة حتى امتلأت وعلت وسمت،

71

70

2025 يونيو 308 / العدد

م 1324 «نََسج الحكايا»: قافلة الذهب والعجب في رحلة منسا موسى إلى الحج عام

Made with FlippingBook. PDF to flipbook with ease