torath 308 - june-2025

هوية تشكيلية

الحروف العربية مرآة التراث الثقافي في الفنون التشكيلية الإماراتية

وضحى حمدان الغريبي الفن رافدا مهما من روافد العلم والمعرفة، ووسيلة يعد للتعبير عن شتى المشاعر الإنسانية، إذ يعكس من خلال نتاجاته الفنية جانبا مهما من جوانب الحياة والوجود للشعوب ويعبرعن عاداتها وتقاليــدهــا وعقائدها، فضلا عن إمكانيته في التعبير، فإنه يعد أساسا في قيام كل حضارة، لما يحمله من أبعاد فكرية وفلسفية واجتماعية ودينية تعكس الجانب الثقافي للعصر. ولما كان الفن بوصفه النشاط الأكثرتعبي ار عن إرادة الإنسان ومقاصده الإبداعية والمعرفية، فإنه يعكس في رؤيته طبيعة الحضارة وأبعادها الثقافية وطرائقها في التفكير إزاء ظواهر الوجود لكونـه ظاهرة إنسانية وحضارية خاضعة لقوانين التطور والجدل والارتقاء. الفن والكتابة وصناعة الهوية وإذا تتبعنا المسيرة التاريخية للنتاجات الفنية المنجزة على مر العصور وفي مختلف المجالات (رسم، نحت، خزف، وغيرها...) نجدها في تطور دائم وفي طريق النمو والتقدم، ولا

بد من الإشارة إلى أن الفنون الإنسانية في مختلف الحضارات والثقافات هي نتاج مادي محسوس يكشف عن ماهيات ًًالتفكير وخصوصيات التعبير عنه، كما تكشف عن آليات اشتغال الذهن البشري إزاء معطيات المعرفة المحيطة أيضا وبناء على ما تقدم فإن الفنون الإنسانية ومنها التشكيلية على وجه الخصوص ترتبط بمرجعيات وسياقات معرفية تكشف هويتها المحلية إزاء الحضارة التي نشأت في كنفها، ومن الواضح تماما أن أهم المقومات الحضارية التي ساعدت على نموالشعوب وتطورها هوابتكارالكتابة التي كان لها الأثرالكبير في توجيه نواحي الحياة المختلفة، فكان للكتابة صفـة التميز والتفرد في العالم العربي والإ لاسمي، ومنها انطلق الإنسان بالعلم والمعرفة ولولاها لما تمكّّن من تسجيل أساليب حياة الشعوب ومعرفة أنماطها وتراثهــا. وتعتبر الحروف العربية وفنون الخط العربي من أهم مجالات الفن التشكيلي والمقوم الجمالي وحجر الأساس الذي يزخر به التراث الإ لاسمي منذ قرون عديدة، ولقد بهر الخط العربي أنظار فناني العالم الغربي قبل فناني العروبة لما تتمتع به الحروف العربية من قيم جمالية وروحية، ومن إمكانات تشكيلية هائلة وقابليتها لمختلف العمليات التصميمية

والرسم كالامتداد والانسياب والتقوس والضغط والالتفاف والانحناء وغيرها، وما يمكن أن تأخذه الحروف من أشكال مختلفة تبعا لنوع الخط العربي، لذلك تعتبر الحروف العربية أحد أعمدة الثقافة العربية، حيث لا تقتصروظيفتها على نقل المعاني، بل تتجاوز ذلك لتصبح مادة بصرية تُُعبّّر عن روح التراث وجمالية التشكيل، كما أن الفنان المبدع لم يكتف بالتشكيل والرسم فقط، وإنما أضاف إلى الحرف المخطوط اللون أيضا كعنصر مهم ومؤشر في الرؤية البصرية، وأخذ يتطور ويحدد من أساليب التلوين أيضاًً، من ألوان الحبر إلى قطع الآجر الملون واستخدام الفرش الرقيقة للخط. جماليات الخط العربي وهكذا اتسع للخط العربي ما لم يتسع لغيره من الفنون الأخرى في التعدد والتنوع والتطور والاستمرارية، حيث توح ّّد الخط مع الحضارة وصانعي هذه الحضارة في منظومة متكاملة ليبقى في النهاية هذا التشكيل المستمر عبر العصور والأزمنة، لذا فإن الجمال الفني في الخط العربي يكمن في درجة الإتقان والإجادة التي تمثل درجة الكمال وتكمن في التناغم الخفي، الذي ينبعث من إيقاع الحروف في تكرارها

91

90 الحروف العربية مرآة التراث الثقافي في الفنون التشكيلية الإماراتية

2025 يونيو 308 / العدد

Made with FlippingBook. PDF to flipbook with ease