هوية تشكيلية
من معان، إن المضمون الفكري الذي تحمله الحروف العربية وتحقق به التوازن مابين الكتابة والمشهد المصور قد جعل نوعا من الانسجام والتجانس، وهذه المزاوجة ما بين النصوص الكتابية والصورة أعطت كثافة فكرية من خلال وجود الكتابة والحروف العربية بين المشاهد المصورة، ما دفع الفنان إلى تزيين الأختام الأسطوانية بالنقوش الكتابية، فالعرب مثلا أعطوا لكل حرف دلالة رمزية خاصة به يختلف بها عن باقي الحروف، فيلجأ الفنان العربي عموما والفنان الإماراتي بوجه الخصوص إلى استخدام (الزخرفة والخط) بكل أنواعه، لاستنباط شكل مفعم بالتعبير والجمال للفن التشكيلي، ويمكن عد الزخرفة والخط واللون طبيعة لهذا الفن وهي من السمات القومية التي هي في النتيجة تكسب الفنون العربية والإماراتية طابعا فريدا ومتمي ازًً.
حروف الخط العربي فأصبح الخط بذلك فنا متعدد الأشكال والأنماط ليست الكتابية فقط، وإنما التشكيلية والزخرفية أيضاًً، فعلى الرغم من أن الحروف العربية تنطوي بمجال متفرد وخاص بذاته فإنه عند اتحاده مع عناصر أخرى وفق ويصبح سببا ا � بصري ا � نظام معين فهو يزداد جمالا وتأثير في نجاح العمل الفني. وبناء على ذلك، يبرز سؤال مهم: ما المضمون الفكري للحروف العربية؟ وما تجلياتها في التراث الثقافي الإماراتي؟ في البداية كان الاهتمام بالخط العربي مبعثه المعرفة والتعلم ثم بعد ذلك وضعت له القوانين والأسس الموضوعية العملية واخترعت له الطرق والأساليب الابتكارية التي أضافت جمالية جديدة إليه، فكان لحسن شكله وجمال هندسته وبديع نسقه ما جعله محبوبا لدى الأجانب الغربيين حتى وإن لم يفهموا ما في هذه الخطوط
الإبداعي لتقوسات واستدارات الحروف العربية في إبداع أشكال جمالية، وبين التحوير في أشكال الحروف، للوصول إلى شكل جمالي جديد مع الحفاظ والالتزام بقواعد وأصول
واتصالها وتطابقها وتشابهها وحركاتها واتجاهاتها كما يكمن في رقة أشكال الحروف وتناسب أجزائها، حيث تمتع الخط العربي بصفات امتازت به حروفه، بأنه يتكيف مع أي مساحة وأي شكل، فضلا عن المطاوعة والليونة والقدرة على التشكيل، فهو فن تشكيلي عربي أصيل وضع أسسه الجمالية فنانون عبر أجيال متعاقبة فوصل إلى أعلى درجات السمو الفني وغدا بين خطوط العالم في المقدمة، ويتجسد هذا النضوج والتنوع في تشكيل الخطوط وصياغتها من جهة، ودقة تصميم هذه الزخارف وتنوعها من جهة أخرى، فبعضها يتميز بخاصيتين أساسيتين الأولى وظيفة قرائية والثانية وظيفة زخرفية وجمالية، وهاتان تتحققان من خلال حسن الإجادة الفنية، سواء أكانت على هيئات الحروف الأساسية أو في تحوير بعض من تفاصيلها لما تحتويه هذه التكوينات الخطية من حشوات نباتية أو هندسية، فنلاحظ أن ما يميز الحروف العربية هو الطواعية الشديدة للحرف أيضا التي تمك ّّن الخطاط من عمل تراكيب وأشكال مختلفة حتى للكلمة الواحدة أو الجملة الواحدة، وكذلك الارتفاعات والاستدارات وقدرتها على الإطالة والتمديد، وتحمل في ثناياها الصفات الزخرفية والتشكيلية، بالإضافة إلى إمكانية تراكب الحروف فوق بعضها بطريقة انسيابية، وبتنوع الخطوط العربية وتعدد أشكالها تنوعت أعمال الخطاطين والرسامين بين الاستغلال
93
92 الحروف العربية مرآة التراث الثقافي في الفنون التشكيلية الإماراتية
2025 يونيو 308 / العدد
Made with FlippingBook. PDF to flipbook with ease