فنون
تحولات الأداء الحركي في العصر الرقمي
للمحترفات اللواتي تصدرن الأداءات الحركية ظهرت فئة قوائم المشاهدات في مختلف منصات التواصل الاجتماعي، ورافق ذلك موجة من الجدل؛ إذ اعتبربعض النق ّّاد هذا النوع من المحتوى استعراضا مثي ار لا يخلو من الابتذال. انتشاار واسعا في الأداء الحركي بوجه عام، يشهد محتوى الفضاء الرقمي، سواء لأغراض تعليمية أو ترفيهية أو ربحية، أو حتى لأغراض إغوائية تفتقر إلى الذوق الفني. وقد أسهمت المنصات الرقمية في تسهيل ظهور حسابات تفتقر إلى المحتوى الجاد، خصوصا من فئة المراهقين، الذين غالبا العشوائي كوسيلة للشهرة، الأداء الحركي ما يلجؤون إلى مدفوعين بجملة من الأسباب، أبرزها: • رغبة لفت الانتباه لشعورهم بالتهميش. • رغبة في زيادة أعداد المتابعين بحثا عن الشهرة المزيفة. • رغبة في تحدي القيود المتجمعية. • المنافسة على لفت الأنظاربين أقرانهم وتحقيق نجاح مؤقت ووقتي. • البحث عن التقدير والقبول والإعجاب بسبب عدم الرعاية الكافية للوالدين. مشروع «دلع» تنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي العديد من المبادرات التي تستهدف دعم النساء وتمكينهن، ومن أبرزها المبادرة التي أطلقتها عالمة الأنثروبولوجيا، مي عامر، التي تحمل اسم «دلع»، وهي مبادرة نسوية تُُعنى بتوفير مساحة آمنة للنساء لتحدي الوصمات الاجتماعية المرتبطة بأجسادهن. تهدف «دلع» إلى تشجيع النساء على ممارسة الأداء الحركي، ليس كوسيلة لشغل أوقات الفراغ وتحقيق المتعة والاسترخاء فقط، بل كأداة للتواصل المجتمعي وتعزيزالانتماء إلى مجتمع نسوي متضامن أيضاًً. تقوم فكرة المبادرة على تنظيم ورش للأداء الحركي مفتوحة لجميع النساء، بغض النظر عن شكل أجسادهن أو أعمارهن أو أوزانهن، حيث تؤدى الحركات وفق ما يناسب كل مشاركة، وتُُختتم هذه الورش بعروض تُُؤدى أمام الأصدقاء والعائلة،
في جو من الدعم والاحتفاء. وتؤكد مي عامر: «ليس لدينا أي شروط تتعلق بالجسم أو اللون أو الحجم، كل امرأة يمكنها أداء الحركات التي تناسبها، لأن الأداء الحركي مجال واسع يمكن أن يناسب الجميع». أما عن الدوافع الشخصية وراء إطلاق هذه المبادرة، فتعود إلى تجربة مي عامر الخاصة مع الصدمة النفسية؛ إذ عانت في مرحلة ما من حياتها من نوبات هلع واكتئاب شديد عقب انفصالها عن زوجها، ما دفعها إلى اللجوء إلى العلاج النفسي. وبناء على توصية برنامج لإعادة التأهيل الطبي، بدأت بدمج الأداء الحركي اليومي في روتينها العلاجي، ما ساعدها تدريجيا على التعافي، والتخفيف من حدة أزمتها النفسية، وتقوية صلتها بجسدها، دون الحاجة إلى الأدوية وما تسببه من أعراض جانبية. وتوضح صاحبة المبادرة أن تجربتها الشخصية كانت الدافع الأكبر لإطلاق «دلع»، مشيرة إلى أن الأداء الحركي، خلافا لما تروّّجه بعض الوسائل الإعلامية، ليس أداة ترفيهية سطحية أو وسيلة للإغواء، بل هو مساحة لتفريغ الطاقة السلبية، وتجديد العلاقة مع الذات، وبناء شعور إيجابي تجاه الجسد. وتختتم بالقول: «لا يوجد جسم مثالي للأداء الحركي، نحن نؤديه لنفرغ طاقتنا، ولنكون سعداء». ولا تقتصر المبادرة على الجانب الحركي أو الترفيهي فحسب، بل تتجاوز ذلك لتشكّّل مجتمعا نسويا داعما يجمع نساء وآمالا متقاربة، في بيئة تسودها الحرية ا � يحملن هموم والتضامن والتقدير. يمكن القول إن انتشار الأداء الحركي عبر وسائل التواصل الاجتماعي جاء في أغلبه بصورة سلبية، نتيجة لضعف المحتوى الذي يقد ّّمه بعض المستخدمين وسطحية ما يُُعرض. في المقابل، لا يمكن إنكار الجانب الإيجابي لهذا الانتشار، فقد أسهمت هذه المنصات في الترويج للأداء الحركي بوصفه أداة علاجية فع ّّالة تُُستخدم في العيادات والمستشفيات تحت مسمى «العلاج بالحركة الراقصة»، إلى جانب تعليمه بشكل منهجي داخل الأكاديميات الفنية والأندية الرياضية
أدى انتشار وسائل التواصل الاجتماعي إلى تعزيز حضور الأداء الحركي بأشكاله المتعددة، إذ تحولت المنصات الرقمية إلى فضاء عالمي مفتوح لتبادل أشكال الأداء الحركي ومشاهدتها، مما أتاح للأفراد من مختلف الثقافات فرصة التفاعل والتقارب عبر هذا الفن الحيوي. ولم يعد الأداء الحركي مقتص ار على أصحاب الموهبة أو المحترفين، بل بات متاحا للجميع ممن يمتلكون قدرة حركية طبيعية، حيث يمكن لأي شخص أن يؤدي الأداء الحركي ويشارك تجربته بسهولة عبر هذه المنصات، مساهما بذلك في خلق بيئة رقمية تُُدمج فيها ثقافات متنوعة من خلال الحركة والإيقاع.أصبح الأداء الحركي ظاهرة بارزة على مواقع التواصل الاجتماعي، لا سيما على تطبيق «تيك توك»، الذي أسهم بشكل ملحوظ في تحويله إلى ممارسة يومية وعامة لدى العديد من المستخدمين، سواء كانوا محترفين في الأداء الحركي التعبيري، التجريدي، أو الفلكلوري، أم مجرد هواة أو أفراد يسعون للشهرة. لقد تجاوز الأداء الحركي حدود الفنون ليصبح وسيلة للتعبير الجسدي ومتّّسعا رقميا متاحا للجميع. في بعض الأحيان، تم استخدام الأداء الحركي بشكل مبالغ فيه، خاصة من قِِبل فئات المراهقين الذين يسعون وراء شهرة آنية وسريعة، ما جعل مواقع التواصل الاجتماعي تعج بمقاطع وصور تظهر الأداء الحركي عشوائيا أو استعراضيا ًً، حيث يلفت الانتباه أكثر مما يعكس مفهوم الفن. بالمقابل، ظهرت مبادرات تدعو إلى استخدام الرقص بوصفه نشاطا إيجابياًً، مثل مبادرة «الستين فما فوق» على منصة فيسبوك في الولايات المتحدة، التي تشجع النساء فوق الستين على الرقص على أنغام أغانيهن المفضلة، بهدف ملء أوقات الفراغ، وتعزيز قبول الجسد، والتخفيف من النظرة السلبية المرتبطة بتقدم العمر. مشروع شغف: الأداء الحركي العلاجي وتمكين المرأة وفي السياق الخليجي، ظهرت مشاريع فنية ذات طابع علاجي،
نورة صابر المزروعي أكاديمية من الإمارات
مثل «مشروع شغف» الإماراتي، الذي يقدم أنشطة متنوعة للمرأة، أبرزها: «الأداء الحركي العلاجي»، حيث تؤدي النساء بة ا الحركات الحركية حافيات القدمين في مواقع طبيعية خلّا داخل دولة الإمارات العربية المتحدة، بهدف تفريغ الطاقات السلبية والشعور بالتوازن النفسي والجسدي. وتستند فكرة هذا المشروع إلى ممارسات منتشرة في الغرب، حيث تُُستخدم برامج «الأداء الحركي العلاجي» ضمن أقسام الصحة النفسية في عدد من المستشفيات. وقد أثبتت الدراسات أن جلسة أداء حركي واحدة أسبوعيا ضمن مجموعات تسهم في تقليل الاعتماد على الأدوية المضادة للاكتئاب، وتساعد النساء على إعادة الاتصال بأجسادهن واستعادة ثقتهن بأنفسهن. كذلك، بات الأداء الحركي يُُوظّّف اليوم في الأندية الرياضية بمنطقة الخليج، حيث تروج شركات عديدة له باعتباره شكلا من أشكال التمارين الجسدية، يجمع بين المتعة والنشاط البدني، ما يجعله ظاهرة ثقافية واجتماعية متعدّّدة الأبعاد تتراوح بين الفن، والعلاج، والترفيه. تحولات الأداء الحركي في الفضاء الرقمي أما فئة النساء المتحجبات، فوجدن في الأندية الرياضية بأريحية، تعبي ار عن الأداء الحركي مساحة آمنة يمارسن فيها أنوثتهن وجمالهن بعيدا عن أعين المتطفلين. إلى جانبهن،
97 2025 يونيو 308 / العدد
96
تحولات الأداء الحركي في العصر الرقمي
Made with FlippingBook. PDF to flipbook with ease