195 |
العالقات الدولية بين اإلسالميين المعتدلين والراديكاليين، تتحدد في كون اإلسالميين المعتدلين واثقين من قدرة المجتمعات اإلســ مية على التكيف مع الحقائق الدولية الســائدة، وال ينظرون للعالقات الدولية باعتبارها لعبة صفرية ولكنهم يســعون إلى التعايش السلمي والحوار والتعاون مع غير المسلمين، طالما أن هذه العالقات تنشأ من مواقع القوة، وال تعتدي على اســتقالل وســيادة المجتمعات اإلسالمية، وخاصة حقهم في تطبيق الشريعة والعمل مع بعضهم البعض في السعي لتحقيق وحدة سياسية واقتصادية وثقافية أكبر تتماشــى مع المبادئ اإلســ مية كما نصت عليها الشــريعة اإلسالمية. . بين القرضاوي وفضل الله 3 وللتدليل على أطروحة الكتاب من خالل النماذج الســتة، ســيتم االقتصار في هذه القراءة على تجربة الشيخين يوسف القرضاوي ومحمد حسين فضل الله باعتبارهما نموذجين لإلسالم السياسي المعتدل وإن كانا يفترقان في نقاط أولية. فالشيخان معًا ينتميان حسب تصنيف الدراسة إلى الجيل الثالث. وقد أظهرا من خالل عملهما أنهما ســعيا إلى إضفاء الطابع المؤسســي على اإلسالم السياسي. وكالهما أيضًــا كان ينظــر إلى نفســه على أنه جزء من مجتمع علمــاء الدين الذي يجب أن يتجاوز حدود الجنسية والطائفة إلى جانب أخذ عظيم االعتزاز باالنتماء إلى مؤسستي األزهر والحوزة. وكالهما أيضًا تجنب العالقات الرسمية مع الحركات السياسية التي تربطهم بها صالت أيديولوجية ال يمكن إنكارها (اإلخوان المســلمون وحزب الله، على التوالي). فهذه االنتماءات الرسمية لو تحققت كانت ستقوض مكانتهما كعلماء مستقلين، فض ًل عن دورهم في المؤسسات الدينية التي يعتزون بها: األزهر والحوزة. ويمكن إرجاع هذا االلتزام بالمؤسســات عند الشــيخين بشــكل أوسع إلى الشكل المؤسسي لإلسالم عند الجيل األول من العلماء الوسطيين، مثل محمد عبده ورشيد رضا، الذين كانوا يدعون إلى اإلســ م السياســي مؤسسة دينية مهمتها إعادة تفسير الشريعة وإلزام جميع المسلمين بتفسير موحد وحديث واحد لنواميسها. وهنا يتضح جليًّا كيف أن االلتزام بالمؤسسات الدينية واإلسالم المؤسسي أو المنظم هــو واحد من عدة خطــوط فاصلة تفصل بين اإلســ ميين اإلصالحيين المعتدلين
Made with FlippingBook Online newsletter