كتاب تكنو علم

ًمــاكــس بــلانــك، كاد بخوفه يطوي علماً كاملا

لا شك أن الأمر صعب على العالم عندما يعتريه شعور مزدوج من الخوف والقلق، جراء ما قد يترتب على إعلانه نظريته. خاصة عندما تجعله طبيعته الرقيقة، التي اكتسبها نتيجة انحداره من عائلة تمرست بمهنة المحاماة وغيرها من الوظائف المدنية، حذراً غاية الحذر أثناء حديثه، حتى إنه جاهر بإيمانه الكامل بالنظرية التقليدية عن الإشعاع الكهرومغنطيسي، كما فسرها "ماكسويل"، رغم أن نظريته الخاصة، أثبتت عدم صلاحية هذه النظريات التقليدية للتطبيق على الأطوال الموجية القصيرة. كما لم يكن مقتنعاً بالصيغة الرياضية للنظرية الكمية، حيث عرضت طاقة الإشعاع، كناتج لضرب تردد الإشعاع في مقدار ثابت صغير. وكان "بلانك" مؤمناً إيماناً راسخاً، بإمكانية الاستغناء عن هذا الثابت، في حين أن هذا الثابت - ويسمى ثابت "بلانك" - يعد من الثوابت الأساسية في الطبيعة "مثل المعادلة الخاصة بسرعة الضوء في الفراغ". لذلك استولى الشعور بالضيق على بلانك، عندما انتصرت نظريته الكمية، ولكن على يد موظف سويسري نشرها في بحث عن النظرية النسبية، ولم يكن ذلك الموظف السويسري، سوى "ألبرت آينشتاين". وبعد هذه البداية السيئة، نشأت صداقة حميمة بين الشاب الشغوف بالعلم "أينشتاين" و"ماكس بلانك"، الذي كان في منتصف العمر آنذاك. ويحكي أن الجيران، كثيراً ما سمعوهما يعزفان الموسيقى سوياً، فيقوم "آينشتاين" بالعزف على الكمان، ويصاحبه بلانك باللعب على البيانو وربما كانت هذه الصداقة، هي السبب وراء صموده أمام المحاكمات العديدة التي استهدفت إدانته في حياته. يعرف "ماكس بلانك"، بأنه صاحب "النظرية الكمية للإشعاع الكهرومغناطيسي"، وقد عرضها أول مرة، في اجتماع للجمعية الفيزيقية م. 1900 الألمانية عقد في ديسمبر عام م ثم انتقل مع 1858 ولد "ماكس بلانك" في مدينة "كيل" الألمانية عام عائلته إلى ميونيخ، حيث التحق بمدارسها، ثم درس بجامعتها، وبعد فترة رحل إلى جامعة برلين، كي يتتلمذ على يد كبار علماء الفيزيقيا في عصره، أمثال "هيرمان هيلمهولتز"، "جوستاف كيرشوف". وقد اهتم "بلانك"، طوال حياته الحافلة، اهتماماً خاصاً بالحرارة، التي تعرف حاليا باسم الديناميكا الحرارية، حتى إنه تقدم لنيل درجة الدكتوراه، برسالة وأبحاث تدور جميعاً حول هذا الموضوع، وكان من نتيجة ذلك، أن أصبح أستاذاً في جامعة "برلين" إثر وفاة "كيرشوف". وعلى النقيض من معظم العلماء، لم يبرز التفكير العلمي، الذي ينسب بالفخر في أيامنا هذه إلى صاحبه «بلانك»، إلا بعد أن تقدم به العمر، ويتمثل هذا التفكير العلمي في توصله إلى اكتشاف النظرية الكمية للطاقة، التي نال عنها جائزة "نوبل" م وكان "بلانك" أول من تحقق من حتمية وجود الطاقة التي 1918 عام تحملها جميع الموجات الكهرومغناطيسية مثل الضوء، أو الحرارة، أو موجات الراديو. 79

Made with FlippingBook Learn more on our blog