إستراتيجية الأمن القومي الإسرائيلي

يتوقف فقط على الفروق في اإلمكانيات العســكرية كما ونوعا، بل يتأثر أيضا بحصانــة المجتمــع اإلســرائيلي ومنظومة القيم التي تحكمــه، وموازين القوى الديمغرافية داخله وقدرته على تجنيد موارده الذاتية التي تؤثر في مدى استعداده لتحمل تبعات تنفيذ السياسات العسكرية واألمنية. فالتحول الذي طرأ على منظومة القيم الداخلية للمجتمع اإلسرائيلي وتراجع اســتعداده لتحمل الكلفة المترتبة على أداء مناشــط األمن القومي يمسان بقدرة إسرائيل على مواجهة التبعات األمنية للتحوالت الجيوإستراتيجية، مع العلم بأنه حتى اآلن لم يتم اختبار تأثير هذا التحول عند اندالع حروب ومواجهة عسكرية شــاملة على أكثر من جبهة أو في مواجهة طرف يحوز مقدرات عســكرية أكبر بكثير مما تحوزه حركات المقاومة في قطاع غزة، على سبيل المثال. فإذا كان المجتمع اإلسرائيلي قد أصبح يبدي هذا القدر من عدم االستعداد لتحمل تبعات تنفيذ سياســات عســكرية في مواجهة تنظيمات فلسطينية وعربية مسلحة، فإنه يمكن افتراض أن مستوى هذا االستعداد سينخفض أكثر عند اندالع صراع مع دول ذات قدرات عســكرية أكبر، ولديها وســائل للتأثير في الجبهة الداخلية والعمق المدني اإلسرائيلي بشكل ال يمكن مقارنته مع كل ما تعرضت له إسرائيل حتى اآلن. كما أن تزامن التحول في منظومة القيم الداخلية وانخفاض مستوى استعداد المجتمع لتحمل تبعات وكلفة الوفاء بمبادئ ومركبات إستراتيجية األمن القومي مع تعاظم التوجهات المتطرفة لدى الجمهور اإلسرائيلي، سيزيد من كلفة مواجهة التحوالت الجيوإســتراتيجية. فالتوجهات المتطرفة للمجتمع كما تعكسها حيازة % من دعم الجمهور اإلسرائيلي، ستدفع نخب الحكم 70 أكثر من " اليمين " قوى لتبني سياســات وتوجهات على صعيد التعاطي مع القضية الفلســطينية واإلقليم تعزز من فرص اندالع حروب ومواجهات عســكرية ليس المجتمع اإلســرائيلي مستعدا لتحمل كلفتها البشرية والمادية. وقــد اتضح أن التغيير الذي طرأ على موازيــن القوى الديمغرافية لصالح التيار الحريدي يمثل تحديا يعمل على تآكل قدرة إســرائيل على تأمين الموارد الذاتيــة الالزمة للوفاء بمبادئ ومكونات إســتراتيجية أمنهــا القومي. ومما زاد

141

Made with FlippingBook Online newsletter