خاتمة شــهدت العقود الأربعة الماضية تحولات كبيرة على واقع النخبة الإســرائيلية؛ تمثلت بشــكل أســاس في صعود أتباع التيار الديني القومي وبلوغ أتباعه مراكز النفوذ ومواطن التأثير بشكل يفوق بكثير مستوى تمثيلهم السكاني وثقلهم السياسي المباشر. فقد تضاعف تمثيل أتباع التيار الديني القومي في النخبة السياســية والعســكرية والقضائيــة والأكاديمية والثقافية، فــي حين تراجع تمثيل أتباع التيار العلماني الغربي، الذي ظل على مدى ثلاثة عقود يحتكر التمثيل الأبرز في هذه النخب. لــم يكن هذا التطور فقط نتاج تحولات موضوعية، ناجمة عن تداول الســلطة، أو أملته السمات العامة للمجتمع الإسرائيلي والطابع الخاص لظروف ولادة إسرائيل ككيان سياسي، بل إنه يعد بالأساس نتاج تجسيد لمخططات وضعها ونفذها هذا التيار بهدف مراكمة النفوذ والتأثير في الدولة والمجتمع. وبســبب طابع المواقف الأيديولوجية والــرؤى الفقهية التي يتبناها التيار الديني القومي، فإن تعاظم تمثيله في النخبة الإســرائيلي ينطوي على تداعيات بالغة التعقيد على مستقبل الصراع مع العالم العربي وتحديدًا مع الشعب الفلسطيني، وعلى المجتمع والنظام السياسي الإسرائيلي. فمن خلال تعاظم تمثيل التيار الديني القومي في النخبة السياســية والعســكرية، فإن فرص التوصل لتســوية سياســية للصراع قد تقلصت إلى حدّ كبير، على اعتبار أن هذا التيار يتبنى مواقف متطرفة إزاء ســبل التعاطي مع الصراع اســتنادًا إلى معتقدات دينية وفقهية. إلى جانب ذلك، فإن زيادة تمثيل التيار الديني القومي في النخبة الدينية والإعلامية والأكاديمية والقضائية والثقافية يزيد من قدرته على التأثير على توجهات الرأي العام الإسرائيلي، بشكل يعزز من فرص تجسيد منطلقاته الأيديولوجية من الصراع وتصوراته إزاء العلاقة بين الدين والدولة. ولعــل أهــم مظاهر نجاح نخب التيار الديني القومي في التأثير على العلاقة بين الديــن والمجتمع تتمثل في الشــوط الطويل الذي قطعه فــي تديين الفضاء العام في إســرائيل، ســيما على صعيد التأثير على توجهات الإسرائيليين الدينية، وضبط مناشط
109
Made with FlippingBook Online newsletter