في البداية كانت دراســة حقبة القذافي من خلال خمســة متغيرات كان لها الأثر الأكبر على تكوين الدول الليبية. هذا التكوين الذي هو عملية مستمرة بدأت في منتصف القرن العشرين، واستمرت خلال الحقبة الملكية في ليبيا. وقد تأثرت بشــكل واضح بعد اكتشــاف النفط في الخمسينيات والســتينيات، وتغيرت تغيرًا . هذه الحقبة 1969 دراماتيكيــا بعد الانقلاب العســكري الذي قاده القذافــي عام أظهرت بوضوح رسوخ الفكر الفوضوي في ذهن القذافي، وفي هذا السياق يمكن أن نقول إن هذه الأيديولوجيا آلت بليبيا إلى معضلتين أساســيتين: تمثلت الأولى في غياب التنوع والاختلاف، والأخرى في غياب المنافســة الاقتصادية. وفي هذا السياق واجهت ليبيا -تحت إصرار القذافي على تنفيذ برامج ذات توجه اشتراكي- ركود المجتمع وغياب التنافس في جميع المجالات الأخرى سواء الاقتصادية أو الاجتماعية أو الثقافية. الفكر الفوضوي في إدارة القذافي للبلاد -كذلك- أثر في نســيج المجتمع، والبيئة السياســية في ليبيا، وهذا ســيصل بنا إلى إدراك أن التحول الذي حدث بعد الثورة الليبية لم يكن تحوً من الدكتاتورية إلى الديمقراطية، بقدر ما هو تحول من نظام فوضوي إلى مســاحة أخرى تسعى للديمقراطية. هذه السردية هي التي يسعى هــذا الفصــل لأن يظهرها، ويبين خطورتها على إدراك ما يحدث في ليبيا وخطورة دعم أي نظام دكتاتوري جديد. كما يحاول بعضهم أن يروج- على ما يرام في عهد القذافي – ليبيــا لم تكــن . هذه المغالطة 2011 حتى جاءت الثورة وتدخل حلف شمال الأطلسي (الناتو) عام أدت إلى سوء تفسير الأحداث الجارية في ليبيا، وبالتالي فإن فكرة البحث عن رجل قــوي لإنهــاء الاضطرابات الحالية في ليبيا لن تؤدي إلا إلى خلق حلقة مفرغة من الفوضى مجددا، وما لم يتم القضاء أولا على بقايا الفوضى التي خلفها إرث القذافي فلن تشهد البلاد استقرارا.
116
Made with FlippingBook Online newsletter