القرن الإفريقي عمقًا استراتيجيًّا خليجيًّا

خلاصة نخلص مما ســبق إلى أن هنالك فاعلية لفرضيات المعطيات الثابتة في مبدأ العمق الاســتراتيجيّ؛ الجغرافيا والتواصل التاريخيّ والحضاريّ والثقافيّ، في بناء العلاقــات بيــن منطقة الخليــج العربيّة والقرن الإفريقــي. ويتضح ذلك من خلال التأثيــرات المتبادلة بدرجات متفاوتة بين منطقتي الخليج العربيّ والقرن الإفريقي، بفعــل التقارب الجغرافــي والتواصل التاريخيّ والحضــاريّ، ويظهر ذلك بصورة واضحة في مناطق التماس بين الجانبين. وعليه تأثر ســكان القرن الإفريقي بهُويّة الحضارة العربيّة الإســ ميّة، وبخاصة أولئك الذين يتركزون عند المناطق السّاحلية في شــرق إفريقيا، مما ســهل من عملية التواصل الحضاريّ والثقافيّ بين الخليج العربيّ وسكان القرن الإفريقي. وظهر هذا التلاحم الحضاريّ الثقافيّ بين الطرفين بصورة واضحة في اللّغة والدين والتراث المحلي الشعبي في القرن الإفريقي، فعليه يمكن الاســتفادة من هذه التأثيرات الحضاريّة والثقافيّة العربيّة في التراث الإفريقي لخدمة مشــروع العمق الاســتراتيجيّ الخليجيّ في القــرن الإفريقي. كان التفاعل الجغرافــي والتواصــل التاريخيّ بين دول الخليج العربــيّ ومنطقة القرن الإفريقي يسير بشكل طبيعي وتطوري في الجوانب الثقافيّة والحضاريّة، مما أسهم في تقوية العلاقات بين الشعوب الخليجيّة والإفريقية التي تقطن منطقة القرن الإفريقي. ولكن لم تستمر هذه العلاقات في شكلها التطوري بين المنطقتين. إذ انقطع هذا التواصل الجغرافيّ والتاريخيّ بينهما في فترات تاريخيّة لاحقة، بسبب الظروف التي طرأت على العلاقات الدوليّة مثل الاستعمار وظهور مفهوم التنافس والاستقطاب الدوليّ في النظام العالميّ. وقد تبدلت في الوقت الراهن هذه الظروف وظهرت نظريات جديدة تدعو إلى أهمية تبادل المنافع والمصالح المشتركة بين الدول لبناء علاقات خارجيّة قوية. وربما تغلغل تأثير هذه النظريات بعض الشيء في دوائر القرار بدول الخليج العربيّ؛ وبدأت دوله تهتم بشــكل متزايد بمنطقة القرن الإفريقي في اســتراتيجيّاتها الجديدة وذلك إدراكًا منها للأهمية السياسيّة والاقتصاديّة والأمنيّة للجوار الإفريقي بصورة عامة ومنطقة القرن الإفريقي بصفة خاصة، في ظل العلاقات الدوليّة المعقدة الراهنة، وهذا ما سنتحدث عنه بالتفصيل في الفصل التالي.

57

Made with FlippingBook Online newsletter