101 |
مقدمة أواسط الســبعينات، انتهت يوتوبيا االقتصاديين الكينزيين " منحنى فيليبس " بســقوط عن اقتصادات مســتقرة تمتلك الحكومات ناصيتها باالختيار ببساطة ما بين توليفات مختلفة من التضخم والبطالة، وســقطت معه هيمنة الكينزية على الفكر االقتصادي والسياسات المالية والنقدية؛ ليعاني العالم حالة مزدوجة من تزامن التضخم والبطالة؛ وليصبح االثنان أهم وأبرز موضوعات النظرية االقتصادية الكلية بكاملها، أدبًا وسياسة. وهكذا لم تعد المسألة ببساطة اختيارًا تبادليًّا بين تضخم وبطالة أو رواج وركود، بل أصبح حتميًّا التعامل معها باعتبارها مشكالت مستقلة جزئيًّا، وإن تزامنت وتشابكت محركاتها وخلفياتها. ومن هذا المنطلق اكتســبت قضيــة التضخم مكانتها المركزية فــي الفكــر االقتصادي منذ ذلك الحين، بل ال نبالــغ إن قلنا: إنها أصبحت القضية االقتصادية األولى بنظر أغلب خبراء وحكومات العالم؛ نظرًا لخطورتها الخاصة على أي أداء اقتصادي من أي نوع، فض ًل عن مخاطرها السياسية واالجتماعية، باعتبارها فسخًا لتعاقد نوعي كامل بين كل حكومة وشعبها، هو تعاقد العملة الوطنية. لكــن ضمن ذلك االتجاه العالمــي للتضخم، وتقلبه بين معدالت منخفضة ومعتدلة فــي أغلــب الفترات وعبر معظــم الدول، اختصت بعض الــدول بمعدالت تضخم مرتفعــة ومســتمرة، وتأتي في مقدمتهــا إيران ذات الخبرة التضخميــة الطويلة التي قاربت نصف قرن، بمعدالت تضخم مرتفعة نســبيًّا كمتوســط عام للفترة، مع تقلب شــديد بين معدالت معتدلة أحيانًا إلى شديدة االرتفاع أحيانًا أخرى، بشكل يجعلها إحــدى حاالت الدراســة المهمة والدالَّة في فهم قضيــة التضخم في العالم الثالث، خصوصًــا مع كونها بلدًا متوســطًا نموذجيًّا، يصح -بــل ويجب- إخضاعه للمعايير الهيكلية واالستحقاقات التنموية التقليدية (بعيدًا عن البلدان الصغيرة ذات التقييمات المختلفــة)، مع انطباق الســمات واألوضــاع النوعية الخاصة بالــدول العالمثالثية، المختلفة جوهريًّا عن نظيرتها في الدول الصناعية المتقدمة، ذات المشاكل المختلفة تمامًا، مهما تشابهت في المظاهر واألعراض. والفرضية األساســية العامة، األولى، التي تنطلــق منها هذه الورقة، هي أن التضخم
Made with FlippingBook Online newsletter